فقال:«أن تذكر أخاك بما يكره، فإن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته»، وعن ابن عباس: الغيبة إدام كلاب الناس.
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ} تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه، وفيه مبالغات شتى، منها: الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها: جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولًا بالمحبة، ومنها: إسناد الفعل إلى "أحدكم"، والإشعار بأن أحدًا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها: أن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان، حتى جعل الإنسان أخًا، ومنها: أن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتًا. وعن قتادة: كما تكره إن وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها، كذلك فاكره لحم أخيك وهو حي.
وانتصب {مَيْتًا} على الحال من "اللحم"، ويجوز أن ينتصب عن "الأخ"، وقرئ:"ميتًا"، ولما قرّرهم عز وجل بأنّ أحدًا منهم لا يحب أكل جيفة أخيه، عقب ذلك بقوله:{فَكَرِهْتُمُوهُ}، معناه: فقد كرهتموه واستقرّ ذلك، وفيه معنى الشرط، أي: إن صحّ هذا فكرهتموه، وهي الفاء الفصيحة، أي: فتحققت -بوجوب الإقرار عليكم، وبأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره؛ لإباء البشرية عليكم أن تجحدوه- كراهتكم له وتقذركم منه، فليتحقق أيضًا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين.
قوله: (ولما قررهم تعالى بأن أحدًا منهم لا يجب أكل جيفة أخيه، عقب ذلك بقوله:{فَكَرِهْتُمُوهُ}: يعني: لما ضرب لهم ذلك المثل على أبلغ الوجوه، وصدره بهمزة التقرير، رتب عليه قوله:{فَكَرِهْتُمُوهُ}؛ إيذانًا بتبكيتهم، وأنه لا يمكنهم من أن لا يجيبوا بقولهم: لا نحبه، وهو المراد من قوله:"يوجب الإقرار عليكم، وبأنكم لا تقدرون على دفعه وإنكاره، لإباء البشرية عليكم أن تجحدوه".