وللاهتمام بشأن هذا المعنى أوقع اعتراضًا بين الفعل؛ أعني:"فتحققت"، وبين فاعله؛ أي:"كراهتكم"، فعند ذلك يقال لهم:"فكرهتموه"، تقريرًا لجوابهم، وتثبيتًا لكراهتهم واستقذارهم ذلك، وتمهيدًا لأن يعقب بقوله:"فليحقق أيضًا أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة والطعن في أعراض المسلمين".
ويؤيد هذا ما جاء في نسخة الإمام المغفور [له] نظام الدين الطوسي: {فَكَرِهْتُمُوهُ} معناه: فقد كرهتموه، واستقر ذلك، وفيه معنى الشرط، أي: أن صح هذا فكرهتموه، وهي الفاء الفصيحة، أي:"فتحققت" إلى آخره.
والفاء مثلها في قول الشاعر:
قالوا: خراسان أقصى ما يراد بنا .... ثم القفول فقد جئنا خراسانا
روى السيد ابن الشجري في "الأمالي": أن أبا علي ذكر في كتاب "التذكرة" أن المعنى: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله. فقوله:{واتَّقُوا اللَّهَ} عطف على قوله: "فاكرهوا"؛ لدلالة الكلام عليه، كقوله تعالى:{اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ}[البقرة: ٦٠]، أي: فضرب فانفجرت، وقوله:{فَكَرِهْتُمُوهُ} كلام مستأنف، وإنما دخلت الفاء لما في الكلام من معنى الجواب، فكأنهم لما قالوا_ في جواب قوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} _: لا، فقال:{فَكَرِهْتُمُوهُ}، أي: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة. فإذن: المعنى على: فكما كرهتموه، وإن لم تكن"كما" مذكورة، كما أن قولهم:"ما تأتيني فتحدثني"، المعنى: ما تأتيني فكيف تحدثني؟ ! وإن لم تكن "كيف" مذكورة، وإنما هي مقدرة".
ثم قال السيد: "هذا التقدير بعيد؛ لأنه قدر المحذوف موصولًا، وهو "ما" المصدرية، وحذف الموصول وإبقاء صلته رديء ضعيف، ولو قدر المحذوف مبتدأ لكان جيدًا، لأن حذف المبتدأ كثير، أي: فهذا كرهتموه، والجملة المقدرة مبتدئية، لا أمرية كما قدرها أبو علي، وإنما قدرها أمرية ليعطف عليها قوله:{واتَّقُوا اللَّهَ}، فإنها أمرية أيضًا، ولا حاجة إليها، لأن