وقرئ:"فكرهتموه"، أي: جبلتم على كراهته. فإن قلت: هلا عدّي بـ"إلى"، كما عدّي في قوله:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ}[الحجر: ٧]، وأيهما القياس؟ قلت: القياس تعدّيه بنفسه، لأنه ذو مفعول واحد قبل تثقيل حشوه، تقول: كرهت الشيء، فإذا ثقل استدعى زيادة مفعول، وأما تعدّيه بـ"إلى" فتأوّل وإجراء لـ"كره" مجرى "بغض"، لأنّ "بغض" منقول من: بغض إليه الشيء، فهو بغيض إليه، كقولك: حب إليه الشيء، فهو حبيب إليه.
والمبالغة في "التواب" للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، أو لأنه ما من ذنب يقترفه المقترف إلا كان معفوًا عنده بالتوبة، أو لأنه بليغ في قبول التوبة، منزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط، لسعة كرمه
قوله:{واتَّقُوا اللَّهَ} عطف على الجملة النهيية، وهي:{ولا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}، والعطف على المذكورة أولى من المقدرة، والإشارة في المبتدأ الذي قدرته_ وهو "هذا"_ موجهة إلى الأكل الذي وصفه الله، كأنه لما قدر أنهم قالوا:"لا"، في جواب قوله:{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَاكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا}، قيل: فهذا كرهتموه، والغيبة مثله. فتأمل".
وقال ابن الحاجب في "الأمالي": "إنه تعالى لما نهى عن الغيبة شبهها بما هو مكروه من معتادهم، وهو أكل لحم المغتاب ميتًا، وأتى به على صفة الإنكار؛ تنبيها على أنه مما لا يفعلونه، ثم كان ذلك التنبيه سبيلًا لذكر تحقق الكراهة وثبوتها مسببًا عن هذا التشبيه الذي قصد به تأكيد كراهة ما نهي عنه، إذ به يتحقق توبيخهم في وقوعهم في الغيبة المشبهة بما يأبونه ويكرهونه".
قوله:(بليغ في قبول التوبة): يعني: تواب: فعال؛ تقتضي الكثرة، وهي إما بحسب تعدد التائبين أو تعدد ذنوب كثيرة لتائب واحد، أو أنه إذا تاب عن ذنب واحد أغرق في العفو.