حربًا للمؤمنين بإظهار الشهادتين. ألا ترى إلى قوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، فاعلم أنّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب: فهو إسلام، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان.
فإن قلت: ما وجه قوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا}، والذي يقتضيه نظم الكلام أن يقال:"قل: لا تقولوا: آمنا، ولكن قولوا: أسلمنا"، أو "قل: لم تؤمنوا، ولكن أسلمتم"؟
يقول:"أسلمت"، لأن الإيمان لا بد في الشريعة أن يكون صاحبه صديقًا، لأن قولك "آمنت بكذا وكذا" معناه: صدق به".
الراغب: "الإسلام في الشريعة ضربان: أحدهما دون الإيمان، وهو الاعتراف باللسان، وبه يحقن الدم، حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، وإياه عني بقوله:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}. والثاني فوق الإيمان، وهو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، ووفاء بالفعل، واستسلام لله في جميع ما قضى وقدر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام:{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة: ١٣١]".
قوله:(حربًا للمؤمنين): أي: عدوًا، الجوهري: "أنا حرب لمن حاربني؛ أي: عدو".
قوله:(والذي يقتضيه نظم الكلام): يعني: قوله: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا ولَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}: رد لقول الأعراب: "آمنا"، وظاهر ما تقتضيه كلمة الاستدراك أن يجابوا بقوله: "لا تقولوا: آمنا، ولكن قولوا: أسلمنا"، فيجاء بإثبات القول مع نفيه، أو بترك القول في القرينتين ويقال: "لم تؤمنوا، ولكن أسلمتم".