وأجاب أن مقتضى كلمة الاستدراك حاصل من حيث المعنى اشتمال الكلام على فوائد جمة، أما قوله:{لَّمْ تُؤْمِنُوا} فتكذيب لدعوتهم ودفع لما انتسبوا إليه، يعني: ادعيتم بقولكم: "آمنا": أننا أحدثنا الإيمان، وهو كذب محض، لأنه ما صدر منك الإيمان قط، وقوله:{قُولُوا أَسْلَمْنَا}: أمر بالاعتراف بما أحدثوا من الانقياد ظاهرًا من غير مواطأة من القلب.
ثم في كل من القرينتين عدول من أصل؛ أما الأولى: فإن الأصل أن يقال: "كذبتم"، أو "لا تقولوا: آمنا"، لتوافق قرينتها، فعدل من "كذبتم" إلى {لَّمْ تُؤْمِنُوا}؛ لئلا يلبسوا لمن يكافحهم به جلد النمر، على أن المطلوب حاصل بأبلغ وجه، لأن الآية التالية مقابلة لهذه، وفيها:{أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} تعريضًا بأن هؤلاء هم الكاذبون، على سبيل الحصر، ويحصل من ذلك ذمهم ومدح من يضادهم على سبيل البت والقطع، وهو المراد من قوله:"ورب تعريض لا يقاومه التصريح".
وعدل من "لا تقولوا: آمنا" إلى ما عليه التلاوة، لنه لو قيل:"لا تقولوا: آمنا"، لا ستهجن من الشارع، لأنه لم يبعث إلا للدعوة إلى الإيمان، لا للنهي عنه، وإلى معناه ينظر قول الفرزدق:
ما قال "لا" قط إلا في تشهده .... لولا التشهد لم ينطق بذاك فم
وأما القرينة الثانية: فإنها أيضًا مشتملة على نكتة، لأن مقتضى الظاهر_ على ما جاء في السؤال_ أن يقال:"أسلمتم"، ليطابق:{لَّمْ تُؤْمِنُوا}، فعدل إلى:{قُولُوا أَسْلَمْنَا}؛ ليعلمهم أن اللائق بحالهم أن يقال لهم:"قولوا: أسلمنا"؛ ليؤذن بأن تلك الدعوى باطلة، وأنها بمجرد اللسان،