قلت: أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أوّلًا، ودفع ما انتحلوه، فقيل:{قَلْ لَمْ تُؤْمِنُوا}، وروعي في هذا النوع من التكذيب أدب حسن حين لم يصرّح بلفظه، فلم يقل: كذبتم، ووضع {لَمْ تُؤْمِنُوا} -الذي هو نفي ما ادعوا إثباته- موضعه، ثم نبه على ما فعل من وضعه موضع "كذبتم" في قوله في صفة المخلصين: {أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ}، تعريضًا بأن هؤلاء هم الكاذبون، ورب تعريض لا يقاومه التصريح، واستغنى بالجملة التي هي {لَمْ تُؤْمِنُوا} عن أن يقال: "لا تقولوا: آمنا"؛ لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤدّاه النهي عن القول بالإيمان، ثم وصلت بها الجملة المصدّرة بكلمة الاستدراك محمولة على المعنى، ولم يقل:"ولكن أسلمتم"؛ ليكون خارجًا مخرج الزعم والدعوى، كما كان قولهم:{آمَنَّا} كذلك، ولو قيل:"ولكن أسلمتم"، لكان خروجه في معرض التسليم لهم والاعتداد بقولهم، وهو غير معتدّ به.
فإن قلت: قوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} بعد قوله: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا} يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة. قلت: ليس كذلك، فإن فائدة قوله:{لَمْ تُؤْمِنُوا} هو تكذيب دعواهم، وقوله:{وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} توقيت لما أمروا به أن يقولوه،
لأن القول قد يستعمل في الزعم، ولو قيل:"أسلمتم"، لكان خلوًا من هذه النكتة، وإليه الإشارة بقوله:"ولو قيل: ولكن أسلمتم، لكان خروجه في معرض التسليم لهم، والاعتداد بقوله".
قال صاحب "النهاية: "وفي الحديث: "لما أراد صلى الله عليه وسلم أن يعتكف ورأى الأخبية في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: آلبر تقولون بهن"، أي: أتظنون وترون وترون أنهن أردن البر؟ "، أي: نساءه صلى الله عليه وسلم.
قوله:(توقيت لما أمروا به): أي: تعيين وتبيين، المغرب: "الوقت: من الأزمنة المهمة، ثم استعمل في كل حد، ومنه قولهم: هل في ذلك وقت، أي: حد بين القليل والكثير، وقد اشتقوا منه، فقالوا: وقت الله الصلاة ووقتها؛ أي: بين وقتها وحدده".