الإعراض، وفي طرف الإقبال تلقى ما ورد عليه في مقام قاب قوسين بالروح والقلب، {ومَا طَغَى} حاله من الفرار من حياء إلى مطاوي الانكسار لئلا تنبسط النفس فيطغى، وقال: فيه وجه آخر ألطف منه: أنه {مَا زَاغَ البَصَرُ} حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر، و"ما طغى" لم يسبق البصيرة فيتجاوز حده، ويتعدى مقامه، فلم يزل صلوات الله عليه مستحلس حجاله، في خفارة أدب حاله، حتى خرق حجب السماوات فانصبت إليه أقسام القرب انصبابًا، وانقشعت عنه حجب الحجب حجابًا حجابًا، حتى استقام على صراط {مَا زَاغَ البَصَرُ ومَا طَغَى}، فمر كالبرق الخاطف، إلى مخدع الوصل واللطائف، وهذا غاية الأدب، ونهاية الأرب.
وقال أبو العباس بن عطاء: لم يره بطغيان يميل، بل رآه على شرط اعتدال القوى.
وقال سهل بن عبد الله التستري: لم يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاهد نفسه، ولا إلى مشاهدتها، وإنما كان مشاهدًا بكليته لربه، يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك المحل.
وعن "حقائق": السلمي، قال الصادق: لما قرب الحبيب من الحبيب بغاية القرب، نالته غاية الهيبة، فلاطفه بغاية اللطف، لأنه لا يحتمل غاية الهيبة إلا غاية اللطف، وذلك قوله:{فَأَوْحَى إلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} أي: كان ما كان، وجرى ما جرى، قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب لحبيبه، وألطف له إلطاف الحبيب لحبيبه، وأسر إليه ما يسر الحبيب إلى حبيبه، فأخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدًا.
وقال جعفر: لا يعلم ما رأى إلا الذي رأى، والذي رئي صار الحبيب إلى الحبيب قريبًا وله نجيًا وبه أنيسًا، {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}.