{مَّا هُم مِّنكُمْ} يا مسلمون {ولا مِنْهُمْ} ولا من اليهود، كقوله تعالى:{مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ}[النساء: ١٤٣]، {ويَحْلِفُونَ عَلَى الكَذِبِ} أي يقولون: والله إنا لمسلمون، فيحلفون على الكذب الذي هو ادعاء الإسلام {وهُمْ يَعْلَمُونَ} أن المحلوف عليه كذب بحت.
فإن قلت: فما فائدة قوله: {وهُمْ يَعْلَمُونَ}؟
قلت: الكذب: أن يكون الخبر لا على وفاق المخبر عنه، سواء علم المخبر أو لم يعلم، فالمعنى: أنهم الذين يخبرون، وخبرهم خلاف ما يخبرون عنه، وهم عالمون بذلك متعمدون له، كمن يحلف بالغموس. وقيل: كان عبد الله بن نبتل المنافق يجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يرفع حديثه إلى اليهود، فبينا رسول الله في حجرة من حجره إذ قال لأصحابه:" يدخل عليكم الآن رجل قلبه قلب جبار وينظر بعين شيطان"، فدخل ابن نبتل وكان أزرق، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" علام تشتمني أنت وأصحابك؟ " فحلف بالله ما فعل، فقال عليه السلام:" فعلت" فانطلق فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما سبوه، فنزلت.
{عَذَابًا شَدِيدًا} نوعًا من العذاب متفاقمًا، {إنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يعني أنهم كانوا في الزمان الماضي المتطاول على سوء العمل مصرين عليه. أو هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة. وقرئ:(إيمانهم) بالكسر، أي: اتخذوا أيمانهم التي حلفوا بها، أو إيمانهم الذي أظهروه {جُنَّةً} أي: سترة يتسترون بها من المؤمنين ومن قتلهم {فَصَدُّوا} الناس في خلال أمنهم ولامتهم {عَن سَبِيلِ اللَّهِ} وكانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويضعفون أمر المسلمين عندهم.