قلت: لو قال: قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم لكاذبون، لكان بوهم أن قولهم هذا كذب؛ فوسط بينهما قوله:{واللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ} ليميط هذا الإيهام.
وقال القاضي: الصدق: الإخبار المطابق، وقيل: مع اعتقاد المخبر أنه كذلك عن دلالة أو أمارة، لأنه تعالى كذب المنافقين في قوله:{إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} لما لم يعتقدوا مطابقته. ورد بصرف التكذيب إلى قولهم:{نَشْهَدُ}؛ لأن الشهادة إخبار عما علمه، وهم ما كانوا عالمين به.
الراغب: الصدق يحد بأنه مطابقة الخبر المخبر عنه، لكن حقيقته وتمامه أن يتطابق في ذلك ثلاثة أشياء؛ وجود المخبر عنه على ما أخبر عنه، واعتقاد المخبر فيه ذلك عن دلالة وأمارة، وحصول العبارة مطابقًا لهما، فمتى حصل ذلك وصف بالصدق المطلق، ومتى ارتفع ثلاثتها يوصف بالكذب المطلق، ومتى حصل اللفظ والمخبر عنه والاعتقاد بخلافه صح أن يوصف بالكذب، ألا ترى أن الله تعالى كذب المنافقين في إخبارهم:{إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} لما كان اعتقادهم غير مطابق لقولهم، وإذا قال لك من اعتقد كون زيد في الدار: إن زيدًا في الدار، ولم يكن فيها، صح أن يقال: كذب، وإن كان قوله مطابقًا لاعتقاده. ولما كان اللسان ترجمان القلب صح أن يقال: صدق في اعتقاده أو كذب.
قلت: ولعل الظاهر أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال، لأن المقام الاجتهادي يخالف غيره، لأن المجتهد إذا اجتهد وأخبر على خلاف الواقع فلا يقال: إنه كذب، بل أخطأ، قال في قوله تعالى:{لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} في الكهف: "هذا جواب مبني على غالب الظن، وفيه دليل جواز الاجتهاد والقول بالظن الغالب، وأنه لا يكون كذبًا، وإن جاز أن يكون خطًا".
قوله:(لكان يوهم أن قولهم هذا كذب) أي: قولهم: {نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وقول الله