وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام"، وأما ما روي أن عائشة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف سمى الله المسلمة (تعني مريم)، ولم يسم الكافرة؟ فقال: "بغضا لها": قالت: وما اسمها؟ قال: اسم امرأة نوح: واعلة، واسم امرأة لوط: وأهله، فحديث أثر الصنعة عليه ظاهر بين، ولقد سمى الله تعالى جماعة من الكفار بأسمائهم وكناهم، ولو كانت التسمية للحب وتركها للبغض لسمى آسية، وقد قرن بينها وبين مريم في التمثيل للمؤمنين، وأبى الله ألا يجعل للمصنوع أمارة تنم عليه، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أحكم وأسلم من ذلك.
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة التحريم آتاه الله توبة نصوحا".
قوله:(كفضل الثريد على سائر الطعام)، قيل: إنما مثل الثريد لأنه أفضل كعام العرب ولا يرون في الشبع أغنى غناء منه، وقيل: إنهم كانوا يحمدون الثريد فيما طبخ بلحم، وروي: "سيد الطعام اللحم"، فكأنها فضلت على النساء كفضل اللحم على سائر الأطعمة، والسر فيه أن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول، وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في المريء، فضرب به مثلًا ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق حسن الخلق، وحلاوة المنطق، وفصاحة اللهجة، وجودة القريحة، ورزانة الرأي، ورصانة العقل، والتحبب إلى البعل، فهي تصلح للتبعل، والتحدث والاستئناس بها، والإصغاء إليها.
وحسبك أنها عقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثلها من الرجال، ومما يدل على أن الثريد أشهى الأطعمة عندهم وألذها قول الشاعر:
إذا ما الخبز تأدمه بلحم .... فذاك- أمانة الله- الثريد