استواءهما في قولك: ضرب زيد عمرا، وما ضرب زيد عمرا: تعمل الفعل مثبتا ومنفيا إعمالا واحدة؛ ومحله النصب على الحال، كأنه قال: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك؛ ولم تمنع الباء أن يعمل "مجنون" فيما قبله، لأنها زائدة لتأكيد النفي. والمعنى: استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسداً،
وخص ذلك بما يكتب به وبالقدح الذي يضرب به، وجمعه أقلام، قال تعالى:{ن والْقَلَمِ ومَا يَسْطُرُونَ}، وقال تعالى:{يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ}[آل عمران: ٤٤]، أي أقداحهم. وقوله تعالى:{عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}[العلق: ٤]، تنبيه لنعمته على الإنسان بما أفاده من الكتابة".
قوله:(تعمل الفعل مثبتًا ومنفيًا)، قال الزجاج:{أَنتَ} اسم {مَا}، و {بِمَجْنُونٍ} الخبر، و {بَنِعْمَةِ رَبِّكَ} موصول بمعنى النفي. انتفى عنك الجنون بنعمة ربك، كما تقول: أنت بنعمة الله فهم، وما أنت بنعمه بجاهل. وهذا جواب لقولهم:{يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}[الحجر: ٦] "
قوله:(ما أنت بمجنون منعمًا عليك بذلك)، أي: منعمًا عليك بنفي الجنون. ولو جعل مطلقًا بأن يقال: ما أنت بمجنون منعمًا عليك بالنبوة والفهم، وكمال العقل وسائر ما أنعم عليك من الفضائل؛ لجاز، وهذا جواب القسم. وعلى هذا:{بَنِعْمَةِ رَبِّكَ} كان صفة ل"مجنون"، فقدم وصير حالًا.
وقال محيي السنة: "إنك لا تكون مجنونًا، وقد أنعم الله عليك بالنبوة والحكمة، وقيل: بعصمة ربك. وقيل: هو كما يقال: وما أنت بمجنون والحمد لله. وقيل: معناه: ما أنت بمجنون