(وإنهُ لَمَّا قَامَ)[الجن: ١٩]، ومن فتح كلهن فعطفاً على محل الجار والمجرور في (فَآمَنَّا بِهِ)، كأنه قيل: صدقناه وصدقنا (وإنهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا)، (وإنهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا)، وكذلك البواقي.
(نَفَرٌ مِّنَ الجِنِّ): جماعة منهم ما بين الثلاثة إلى العشرة. وقيل: كانوا من الشيصبان، وهم أكثر الجن عدداً، وعامة جنود إبليس منهم. (فَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَا) أي: قالوا لقومهم حين رجعوا إليهم، كقوله:(فَلَمَّا قُضِيَ ولَّوْا إلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ • قَالُوا يَا قَوْمَنَا إنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا)[الأحقاف: ٢٩ - ٣٠]. (عَجَبًا) بديعاً مباينا لسائر الكتب في حسن نظمه وصحة معانيه، قائمة فيه دلائل الإعجاز. وعجب مصدر يوضع موضع العجيب، وفيه مبالغة؛ وهو ما خرج عن حد أشكاله ونظائره. (يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ) يدعو إلى الصواب، وقيل: إلى التوحيد والإيمان، والضمير في (بِهِ) للقرآن؛ ولما كان الإيمان به إيمانا بالله وبوحدانيته وبراءة من الشرك، قالوا:(ولَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)، أي: ولن نعود إلى ما كنا عليه من الإشراك به في طاعة الشيطان. ويجوز أن يكون الضمير لله عز وجل؛ لأن قوله:(بِرَبِّنَا) يفسره.
قوله:(فعطفاً على محل الجار والمجرور)، أي: فيُعطف عطفاً. وقال الزجاج:"العطف على المجرور رديء، لأنه لا يعطف على الهاء المخفوضة إلا بإظهار الخافض. والوجه أن يكون محمولاً على معنى "آمنا به"، لأن معناه: صدقنا وعلمنا، أي: وصدقنا أنه تعالى جد ربنا".
قوله: (قالوا: {وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، وهو جواب لما أرادوا أن عطف قوله:{وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}، من باب عطف المسبب على السبب، وحرف الجمع يُفوض الترتيب إلى ذهن السامع، وهو أبلغ من الفاء. ويمكن أن يقال: إن مجموع قوله: {فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}: مسبب عن مجموع قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}؛ فكونه قرآناً عجباً، أي: مُعجزاً بديعاً،