كان آكد وأبلغ لوصفهم بسكون النفس وثلج الصدر، ولأن فيه تعريضاً بحال من عداهم، كأنه قال: ولتخالف حالهم حال الشاكين المرتابين من أهل النفاق والكفر.
فإن قلت: كيف ذكر الذين في قلوبهم مرض وهم المنافقون، والسورة مكية، ولم يكن بمكة نفاق، وإنما نجم بالمدينة؟ قلت: معناه وليقول المنافقون، الذين ينجمون في مستقبل الزمان بالمدينة بعد الهجرة (والْكَافِرُونَ) بمكة: (مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً)؟ وليس في ذلك إلا إخبار بما سيكون كسائر الإخبارات بالغيوب، وذلك لا يخالف كون السورة مكية. ويجوز أن يراد بالمرض: الشك والارتياب، لأن أهل مكة كان أكثرهم شاكين وبعضهم قاطعين بالكذب.
فإن قلت: قد علل جعلهم تسعة عشر بالاستيقان وانتفاء الارتياب وقول المنافقين والكافرين ما قالوا، فهب أن الاستيقان وانتفاء الارتياب يصح أن يكونا غرضين، فكيف صح أن يكون قول المنافقين والكافرين غرضاً؟
قلت: أفادت اللام معنى العلة والسبب، ولا يجب في العلة أن تكون غرضاً، ألا ترى إلى قولك: خرجت من البلد لمخافة الشر، فقد جعلت المخافة علة لخروجك وما هي بغرضك. (مَثَلاً) تمييز لهذا، أو حال منه، كقوله:(هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً)[هود: ٦٤].
فإن قلت: لم سموه مثلاً؟
قلت: هو استعارة من المثل المضروب، لأنه مما غرب من الكلام وبدع،