استغراباً منهم لهذا العدد واستبداعاً له. والمعنى: أي شيء أراد الله بهذا العدد العجيب، وأي غرض قصد في أن جعل الملائكة تسعة عشر لا عشرين سواء، ومرادهم إنكاره من أصله، وأنه ليس من عند الله، وأنه لو كان من عند الله لما جاء بهذا العدد الناقص.
الكاف في (كَذَلِكَ) نصب، وذلك: إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى، أي: مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضل الكافرين ويهدى المؤمنين، يعني: يفعل فعلاً حسناً مبنياً على الحكمة والصواب، فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له لاعتقادهم أن أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيماناً، وينكره الكافرون ويشكون فيه فيزيدهم كفراً وضلالاً. (ومَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) وما عليه كل جند من العدد الخاص، من كون بعضها على عقد كامل وبعضها على عدد ناقص، وما في اختصاص كل جند بعدده من الحكمة (إلاَّ هُوَ) ولا سبيل لأحد إلى معرفة ذلك،
قوله:(استغراباً)، قيل: هو متعلق بقوله: "استعارة"، فكأنه قال: استعاروه من المثل لاستغرابهم هذا العدد.
قوله:(وما في اختصاص كل جُند)، عطف تفسيري على قوله:"وما عليه كل جند". وأما قوله:"وما يعلم جنود ربك لفرط كثرتها إلا هو"، فعطف على "وما يعلم جنود ربك، وما عليه كل جند" إلى آخره لمغايرته له، وكذلك قوله:"وقيل: هو جواب لقول أبي جهل"، قال محيي السنة:"وهو قول مُقاتل".
ويمكن أن يُقرر هذا القول بأن يقال: إنه تعالى لما ذكر العدد الذي اقتضى فتنة الكفار، وطعن أبو جهل فيه تارة بقوله: أما لرب مُحمد أعوان إلا تسعة عشر؟ ، وأخرى بقوله لقريش: ثكلتكم أمهاتكم، أسمع ابن أبي كبشة يُخبركم أن خَزَنة النار تسعة عشر وأنتم الدَّهم، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم؟ كما سبق في "الكشاف"، فأجيب