وقيل: معناه: بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه، أي نجعلها مستوية شيئاً واحداً كخف البعير وحافر الحمار لا تفرق بينها، فلا يمكنه أن يعمل بها شيئاٍ مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال، والبسط والقبض، والتأنى لما يريد من الحوائج. وقرئ «قادرون»، أي: نحن قادرون. (بَلْ يُرِيدُ) عطف على (أَيَحْسَبُ)، فيجوز أن يكون مثله استفهاماً، وأن يكون إيجاباً على أن يضرب عن مستفهم عنه إلى آخر. أو يضرب عن مستفهم عنه إلى موجب (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) ليدوم على فجوره فيما بين يديه من الأوقات وفيما يستقبله من الزمان لا ينزع عنه.
قوله:({بَلْ يُرِيدُ})، عطف على {أَيَحْسَبُ}. قيل: يجوز أن يكون عطفاً: إما على {أَيَحْسَبُ} بالهمزة، فلا يكون استفهاماً على سبيل التقرير، بل يكون إيجاباً. أو على "يحسب" بدون الهمزة، فيكون مثله استفهاماً. وقلت: معنى قوله: "وأن يكون إيجاباً"، أي: لا يكون استفهاماً مثله، للإنكار المفيد للنفي؛ وهو إما أن يكون استفهاماً على سبيل التقرير فيكون موجباً، أو لا يكون استفهاماً، بل يكون جملة خبرية موجبة.
والمعنى على الأول: ليس الأمر كما ظن وحسب، بل ليس كما أراد واشتهى. وعلى الثاني: أحسب ذلك؟ بل يريد هذا. أي: يدع ذلك الحُسبان الباطل، بل ارتكب أمراً أعظم من ذلك. يعني: ليست إرادته في ذلك الحُسبان مُجرد إنكار البعث، بل غرضه الاشتغال بالشهوات والانهماك في الخلاعة والفجور دائماً. وفيه أنه عالم بوقوع الحشر لكنه مُغتاب. وسنبين إن شاء الله تعالى أن هذا هو الوجه في الآية.
قوله:({لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ}: ليدوم على فجوره)، وإفادة {لِيَفْجُرَ}، وهو مُستقبل، لمعنى الدوام والاستمرار: لاقترانه مع الإنسان، وانه للجنس يعني: من شأنه ذلك وجبلته يقتضي حُب الشهوات إلا من عصمه الله، لقوله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ}[آل عمران: ١٤] الآية؛ ولذلك كرر لفظ {الْإِنسَانُ} وصرح به.