(كَلاَّ) ردع عن طلب المفر (لا وزَرَ) لا ملجأ، وكل ما التجأت إليه من جبل أو غيره وتخلصت به فهو وزرك (إلَى رَبِّكَ) خاصة (يَوْمَئِذٍ) مستقرّ العباد، أي استقرارهم. يعني: أنهم لا يقدرون أن يستقروا إلى غيره وينصبوا إليه، أو إلى حكمه ترجع أمور العباد، لا يحكم فيها غيره، كقوله:(لِّمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ)[غافر: ١٦]، أو إلى ربك مستقرهم، أي: موضع قرارهم من جنة أو نار، أي: مفوض ذلك إلى مشيئته، من شاء أدخله الجنة ومن شاء أدخله النار (بِمَا قَدَّمَ) من عمل عمله (و) بما (أَخَّرَ) منه لم يعمله، أو بما قدم من ماله فتصدق به، أو بما أخره فخلفه. أو بما قدم من عمل الخير والشر، وبما أخر من سنة حسنة أو سيئة فعمل بها بعده. وعن مجاهد: بأول عمله وآخره، ونحوه:(فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ ونَسُوهُ). (بَصِيرَةٌ) حجة بينة، وصفت بالبصارة على المجاز، كما وصفت الآيات بالإبصار في قوله (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً)[النمل: ١٣]، أو عين بصيرة
قوله:(وُصفت بالبصارة على المجاز)، هذا يحتمل أن يكون من الإسناد المجازي، أو استعارة مكنية، كما في الآية المُستشهد بها. قال أبو البقاء:" {الْإِنسَانُ}: مبتدأ، و {بَصِيرَةٌ} خبره، و {عَلَى} مُتعلقة بالخبر. والتأنيث للمبالغة، أي: بصير على نفسه، أو على المعنى، أي: حُجَّة بصيرة على نفسه، ونُسب الإبصار إلى الحجة على أنها دالة. وقيل: بصيرة هنا مصدر، أي: ذو بصيرة، ولا يصح إلا على التَّبيين".
قوله:(أو عين بصيرة)، وفي الأول:{بَصِيرَةٌ} خبر عن {الْإِنسَانُ}، وعلى الثاني: يُحتمل أن تكون {بَصِيرَةٌ} مبتدأ، وخبره {عَلَى نَفْسِهِي}، والجملة خبر، كقوله: زيد على رأسه عمامة. والبصيرة على هذا الوجه: الملك الموكل، أو جوارحه. ويُحتمل أن تكون "عين بصيرة" خبراً، ويتعلق قوله:"والمعنى" بالوجهين. وفي قوله:"عين بصيرة" تجريد؛ جُرِّد من الإنسان عين، أي: جاسوس ذو بصيرة، وإليه الإشارة بقوله:"ففيه ما يُجزي عن الإنباء". والضمير في "عليها" للنفس وإن لم يجر لها ذكر، ولذلك قال:"بما عملت".