فنحن إن وجدنا بين المعاني مفهوماً مشتركاً، حملنا اللفظ على ما يندرج تحته، ولكن لا نقول: إن مراد الله على هذا الجزم، فيمكن حمل هذه الآيات على المراتب الواقعة في رجوع القلب من غير الله إلى الله، أقسم بالأرواح التي تنزع إلى اعتلاق العروة والوثقى، وتنزع غرقاً من تعلق هذا الأدنى، ثم تنشط وتأخذ في السلوك في الأحوال والمقامات إلى مستقره الأصلي:{يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ}[الفجر: ٢٧ - ٢٨]، ثم تسبح في بحار الصفات، فتمحو فيها من صفاتها وتفنى في التوحيد، ثم تسبق بعد الفناء إلى البقاء بالله، ثم تعزم على الرجوع إلى تكميل الغير، فتُدبر أمر الدعوة، إلى الله".
وقال القاضي: "هذه صفات النفوس وحال سلوكها، فإنها تنزع من الشهوات، فتنشط إلى عالم القُدس، فتسبح في مراتب الارتقاء، فتسبق إلى الكمالات حتى تصير من المُكملات".
قوله:(فتدبر أمراً من علم الحساب)، مقتبس من قوله تعالى:{لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}[يونس: ٥]، وإبطال لزعيم المنجمين أنها مدبرة لهذا العالم بالكون والفساد، ويعضده ما روى البخاري، عن قتادة: "خلق الله هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يُهتدى بها، فمن تأولها بغير ذلك فقد أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا يعلم". وزاد رزين: "وما علم له به، وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة". وعن الربيع مثله، وزاد: والله، ما جعل الله في نجم حياة أحد ولا رزقه ولا موته، وإنما يفترون على الله الكذب ويتعللون بالنجوم. ذكره صاحب "جامع الأصول".
واعلم أن الشيخ أبا القاسم عبد الكريم بن هوزان القُشيري رحمه الله، عقد باباً في كتابه المسمى بـ "مفاتيح الحجج" في إبطال مذاهب المنجمين وأطنب فيه، وذكر أقوالهم، قال: "وأقربها