قول من قال: هذه الحوادث يحدثها الله تعالى ابتداء بقدرته واختياره، ولكن أجرى العادة بأنه إنما يخلقها عند كون هذه الكواكب في البروج المخصوصة، وتختلف باختلاف سيرها واتصالها ومطارح أشعتها، على جهة العادة من الله سبحانه وتعالى، كما أجرى العادة بخلق الولد عقيب الوطء، وخلق الشبع عقيب الطعام، ثم قال: هذا في القدرة جائز لكن ليس عليه دليل ولا إلى القطع سبيل؛ لأن ما كان على جهة العادة يجب أن يكون الطريق فيه مستمراً، وأقل ما فيه يحصل التكرار، وعندهم لا يحصل وقت في العالم مكرر على وجه واحد؛ لأن إذا كان في سنة الشمس مثلاً في درجة من برج، فإذا عادت إليها في السنة الأخرى، فالكواكب لا يتفق كونها في بروجها كما كانت في السنة الماضية، والأحكام تختلف بالقرانات والمقابلات ونظر الكواكب بعضها إلى بعض، فلا يحصل شيء من ذلك مكرراً. واتفقوا على أنه لا سبيل إلى الوقوف على الأحكام، ولا يجوز القطع على البت لتعذر الإحاطة بها على التفصيل. ومما يدل على أنه لا حجة في قولهم أنهم اختلفوا فيما بينهم في حكم الزَّنج، فلأهل السند والهند عن طريق تخالف طريق أرباب الزَّنج الممتحن".
وفصل الشيخ في الاختلافات بينهم تفصيلاً ثم قال: "ومما يدل على فساد قولهم أن يقال لهم: أخبرونا عن مولودين ولدا في وقت واحد، ليس يجب تساويهما في كل وجه، لا تميز بينهما في الصورة والقد والمنظر، وحتى لا تصيب أحدهما نكبة إلا أصاب الآخر، وحتى لا يفعل هذا شيئاً إلا والآخر يفعل مثله، وليس في العالم اثنان هذه صفتهما؟ قالوا: ومن المحال أن يوجد مولودان في العالم في وقت واحد، ولا بد أن يتقدم أحدهما على الآخر، فيقال: أمحال ذلك في العقل والتدبير أم في الوجود؟ فإن قالوا بالأول: بان فساد قولهم، وإن قالوا بالثاني، قيل: وما يؤمنكم منه؟ فإن قالوا: ليس أمر الكسوفين بصدق، قلنا: ليس أمر الكسوفين من الأحكام، وإنما هو من طريق الحساب، وذلك غير منكر، ويجوز أن يكون أمر سير الكواكب على ما قالوه. وقد ورد في الشريعة في أمر الكسوفين