ومن أمن: اجترأ على كل شر. ومنه قوله عليه السلام:«من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل». بدأ مخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوه، كما أمر بذلك في قوله:(فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا)[طه: ٤٤]، (الآيَةَ الكُبْرَى) قلب العصا حية؛ لأنها كانت المقدمة والأصل، والأخرى كالتبع لها، لأنه كان يتقيها بيده، فقيل له: أدخل يدك في جيبك، أو أرادهما جميعاً،
قوله:(من خاف أَدْلَجَ)، الحديث من رواية الترمذي، عن أبي هريرة، قال: سمعت رسول الله? يقول: "من خاف أَدْلج ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية"، النهاية:"الإدلاج مخففاً: السير من أول الليل، ومثقلاً: السير من آخره"، والمراد ها هنا: التشمير في أول الليل، فإن من سار من أول الليل كان جديراً ببلوغ المنزل، والسلعة: المتاع.
قوله:(أو أرادهما جميعاً)، يريد: أن الآية الكبرى هي قلب العصا حية، فالصغرى يراد بها اليد البيضاء لأنها متمِّمة لها؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لما قصد أن تبقى الحية بيده قيل له:{وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى}[طه: ٢٢] سبق بيانه في "القصص". أو أن كلتيهما آية واحدة لتلك العلة، والصغرى غيرهما. قال بعضهم: قوله: {فَأَرَاهُ الْأيَةَ الْكُبْرَى} معطوف على فعل محذوف، يد عليه قوله:{اذْهَبْ}، أي: فذهب فأراه؛ لأنه إذا كان الآمر هو الله تعالى والمأمور موسى، وجد الفور، وهذا مما يعضد