خاصة ضاق ذرعه في هذه الآية حذراً على قاعدته، ويأبى الله إلا نقضها، فنقول: الصَّلي في اللغة: أن يحفروا حفيراً فيجمعوا فيه جمراً كثيراً، ثم يعمدوا إلى شاة فيسدوها وسطه؛ فأما ما يُشوى فوق الجمر، أو على المقلى، أو في التنور، فلا يسمى مصلياً. هذا بعينه ذكره الزمخشري في سورة الغاشية؛ فالتصلية أشد أنواع التعذيب. والناس عندنا ثلاثة أنواع: مؤمن فائز، ومؤمن عاص، وكافر. فالفائز يطفئ نوره لهب النار، والعاصي يُعذب في الطبقة الأولى، حتى إن منهم من تبلغ النار إلى كعبيه، وأشدهم من تصل إلى موضع سجوده، ولا يُعذب أحد من المؤمنين بين أطباقها بالصَّلي؛ فلا يصلاها إلا الكافر، وسيُجنبها الأتقى بالكلية لا يسمع حسيسها، فالعاصي ليس بأتقى ولا أشقى؛ فلا يصلاها ولا يُجنبها، بل يعذب بغير الصَّلى".
وقلت: ويؤيد هذا التأويل اللفظتان، أعني {لَا يَصْلَاهَا} و {وَسَيُجَنَّبُهَا}، فإن إحداهما دلت على معنى البُحبوحة، والأخرى على المعنى البعيد، ولذلك قال:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[الحج: ٣٠].
النهاية: "في حديث عمر رضي الله عنه، قال:"عليكم بالجنبة فإنها عفاف"، قال الهروي: يقول اجتنبوا النساء ولا تقربوا ناحيتهن، يقال: رجل ذو جَنبة، أي: ذو اعتزال عن الناس متجنب لهم".