حتى سبق إلى وهمه أنهم رغبوا عن الإسلام لافتقار أهله واحتقارهم، فذكره ما أنعم به عليه من جلائل النعم ثم قال:(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) كأنه قال: خوّلناك ما خولناك فلا تيأس من فضل الله، فإن مع العسر الذي أنتم فيه يسرًا.
فإن قلت:(إِنَّ مَعَ) للصحبة، فما معنى اصطحاب اليسر والعسر؟
قلت: أراد أن الله يصيبهم بيسٍر بعد العسر الذي كانوا فيه بزماٍن قريب، فقرّب اليسر المترقب حتى جعله كالمقارن للعسر، زيادةً في التسلية وتقوية القلوب.
فإن قلت: ما معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما: "لن يغلب عسر يسرين"، وقد روى مرفوعًا: أنه خرج صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو يضحك ويقول: «لن يغلب عسر يسرين»؟
قلت: هذا عمل على الظاهر، وبناء على قوّة الرجاء، وأن موعد الله لا يحمل إلا على أو في ما يحتمله اللفظ وأبلغه، والقول في أنه يحتمل أن تكون الجملة الثانية
قوله:(وقد روي مرفوعاً)، روى مالك في "الموطأ" عن زيد بن أسلم، قال:"كتب أبو عُبيدة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، يذكر له جموعاً من الروم وما يتخوف منهم، فكتب إليه عمر رضي الله عنه: أما بعد، فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن شدة، يجعل الله بعده فرجاً، ولن يغلب عسر يُسرين".
قوله:(هذا عمل على الظاهر)، والمعنى بالظاهر: اللفظ المحتمل الراجح أحد محتملاته بقرينة ناهضة، يعني: ما ذكروه عمل بالظاهر؛ فإن ما في التنزيل يحتمل التكرير والاستئناف، والقرينة التي ترجح أحد الاحتمالين، أي: الاستئناف لأنه أوفاهما وأبلغهما، هي أن مبنى "أن موعد الله لا يُحمل إلا على أوفى الاحتمالين"، عطف تفسيري على قوله:"وبناء على قوة الرجاء"، وهو على "عمل بالظاهر" كذلك. وقوله:"والقول فيه" إلى آخره، بيان للاحتمالين.