تكريرًا للأولى كما كرر قوله:(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)] الطور: ١١ [لتقرير معناها في النفوس وتمكينها في القلوب، وكما يكرر المفرد في قولك: جاءني زيد زيد، وأن تكون الأولى عدةً بأنّ العسر مردوف بيسٍر لا محالة، والثانية عدة مستأنفة بأنّ العسر متبوع بيسر، فهما يسران على تقدير الاستئناف، وإنما كان العسر واحدًا لأنه لا يخلو، إما أن يكون تعريفه للعهد، وهو العسر الذي كانوا فيه، فهو هو؛ لأنّ حكمه حكم زيٍد في قولك: إن مع زيٍد مالًا، إن مع زيٍد مالًا. وإما أن يكون للجنس الذي يعلمه كل أحد فهو هو أيضًا. وأما اليسر فمنكر متناول لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفًا غير مكرر، فقد تناول بعضًا غير البعض الأوّل بغير إشكال.
فعلى هذا، لو لم يكرر - كما هي قراءة ابن مسعود، - أفاد المراد المقصود، وذلك أن التنكير في {يُسْرًا}، يحتمل أن يراد منه بعض من اليسر، وأن يراد منه التفخيم، ولما كان بناء الأمر على قوة الرجاء، رُجح الثاني. والفرق بين هذا والأول أن دلالة الأول على المراد بالوضع كما سيجيء، ودلالة الثاني عليه باللزوم والكناية؛ فإن التفخيم في {يُسْرًا}، اقتضى أن يتناهي في، ولو لم يكن متناهياً فيه، إذن لم يُرد به يسر الدارين، ولزم من ذلك تعدد اليُسر، وأن يقال:"لن يغلب عسر يسرين"، وإليه الإشارة بقوله:"وذلك يُسران في الحقيقة". وإذا ذُهب إلى هذا المعني في التكرير، كان أبلغ من الاستئناف، ولولا التنبيه بالأثر والحديث على هذه اللطيفة، لم يفهم ذلك. ويمكن أن يقال: لما كان ورود الآية في حق الصحابة الكرام، ووعداً لهم بالفرج بعد الشدة، أوجب أن يُحمل على يسر الدارين: أما في الدنيا، فبالغنى بعد الفقر، والقوة بعد الضعف، وبالعز بعد الذل. وأما في الآخرة، فلا كلام فيه.
قوله:"وإنما كان العسر واحداً)، إلى آخره، اعلم أن لام التعريف عند المحقيين موضوعة للإشارة والعهد، قال صاحب "التخمير": "اعلم أن اللام لنفس الإشارة، لكن الإشارة