قلت: هو على الأول متصل ظاهر الاتصال، وعلى الثاني: منقطع. يعنى: ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمي فلهم ثواب دائم غير منقطع على طاعتهم وصبرهم على ابتلاء الله بالشيخوخة والهرم، وعلى مقاساة المشاق والقيام بالعبادة على تخاذل نهوضهم.
فإن قلت:(فَما يُكَذِّبُكَ) من المخاطب به؟
قلت: هو خطاب للإنسان على طريقة الالتفات، أي: فما يجعلك كاذبًا بسبب الدين وإنكاره بعد هذا الدليل، يعنى أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء، لأنّ كل مكذب بالحق فهو كاذب، فأي شيٍء يضطرك إلى أن تكون كاذبًا بسبب تكذيب الجزاء. والباء مثلها في قوله تعالى:(الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ)] النحل: ١٠٠ [، والمعنى: أنّ خلق الإنسان من نطفة، وتقويمه بشرًا سويًا وتدريجه في مراتب الزيادة إلى أن يكمل ويستوي، ثم تنكيسه إلى أن يبلغ أرذل العمر، لا ترى دليلًا أوضح منه على قدرة الخالق، وأن من قدر من الإنسان على هذا كله،
قوله:(هو على الأول متصل)، أي على أن يراد بالرد إلى أسفل سافلين، الرد إلى أسفل من سفل خلقاً وتركيباً، وهم أصحاب النار، أو أسفل من سفل من أهل الدركات. قال الواحدي عن مجاهد:"ثم رددناه إلى النار، والنار أسفل سافلين، لأنه جهنم بعضها أسفل من بعض، ثم استثنى {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، أي: إلا هؤلاء، فإنهم لا يُردون إلى النار".
قوله:(وعلى الثاني منقطع)، أي على أن يُراد بـ "أسفل سافلين"، الرد إلى أسفل من سفل في حُسن الصورة والشكل، ولذلك قال:"لكن الذين كانوا صالحين من الهرمى، فلهم ثواب دائم".
قوله:({وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل: ١٠٠])، أي: بسبب الشيطان يشركون بالله. والباء في {بِهِي} ليست بصلة {مُشْرِكُونَ}، بل صلته محذوفة.