ولكن ينقرونها نقرًا من غير خشوع وإخباٍت ولا اجتناٍب لما يكره فيها: من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدرى الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السور، وكما ترى صلاة أكثر من ترى، الذين عادتهم الرياء بأعمالهم ومنع حقوق أموالهم. والمعنى: أنّ هؤلاء أحق بأن يكون سهوهم عن الصلاة التي هي عماد الدين، والفارق بين الإيمان والكفر، والرياء الذي هو شعبة من الشرك، ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام، علمًا على أنهم مكذبون بالدين
الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة. قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة، مت على غير فطرة محمد? ، ثم قال: إن الرجل ليُخفف ويُتم ويُحسن".
قوله:(والرياء … ومنع الزكاة)، هما مرفوعان على العطف على اسم "يكون"، وهو "سهوهم". والخبر: "علماً"، فيقدر للمعطوف عليهما مثل هذا الخبر، على منوال قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض، والرأيُ مختلف
وإنما جُعل المذكورات علماً على أنهم مكذبون بالدين، لما قال آنفاً، ثم وُصل به قوله:{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ}، أي: وُصل به اتصال المسبب بالسبب، والجزاء بالشرط، على سبيل الترقي، كأنه قيل: هل عرفت الذي يكذب بالجزاء من هو؟ فإن لم تعرفه، فاعرف أنه الدافع لليتيم المانع يره، وهل عرفت أعظم من ذلك وأدهى منه؟ فإن تارك الصلاة والزكاة والمرائي أعظم منه، لأن العبادة هي المقصودة بالذات من خلق العالم.
فعلى هذا، الواجب أن يفسر {الْمَاعُونَ} بمنع الزكاة، تتميماً لذكر الصلاة لا ترقياً، فثبت أن إنكار الجزاء هو الأصل في إبطال الحكمة في خلق السموات والأرض، وشرعية العبادات، والحض على سائر المبرات والخيرات، والعياذ بالله من ذلك.