وروي:"لا يظمأ من شرب منه أبدًا: أول وارديه: فقراء المهاجرين: الدنسو الثياب، الشعث الرؤوس، الذين لا يزوجون المنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد"، يموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره، لو أقسم على الله لأبرّه.
قولُه:(لا تُفتحُ لهم أبوابُ السُّدَد)، الحديثُ من روايةِ الترمذيّ عن ثوبان، أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال:«حوضي مثلُ ما بينَ عَدَنٍ إلى عَمّان البلقاء، ماؤُه أشدُّ بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل، وأكوابُه عددُ نجومِ السماء، مَنْ شربَ منه لم يَظمأ بعدَها أبدًا، أولُ الناسِ ورودًا علىَّ فقراءُ المهاجرين، والشُّعثُ رؤوسًا، الدُّنْسُ ثيابًا، الذين لا يَنْكحون المتنعّمات، ولا تُفتح لهم أبوابُ السُّدَد». وقال الترمذي: قالَ عمرُ بنُ عبدِ العزيز: قد نَكَحتُ المتنعّماتِ فاطمةَ بنَ عبد الملك، وفُتحتْ لي أبوابُ السُّدَد. لا جرمَ لا أغسلُ رأسي حتى يَشْعث، ولا ثوبي الذي يَلي جسدي حتى يَتّسخ.
وفي "الجامع": «السُّدَدُ جمعُ سُدّة، وهي البابُ ها هنا». وفي "النهاية": «السُّدَةُ كالظُلّةِ على البابِ لتقيَ البابَ من المطر، وقيل: هي السّاحةُ بين يدي الباب، وقيل: هي البابُ نفسُه، أي: لا تفتحُ لهم الأبواب. وفي حديثِ أبي الدّرداء، أنه أتى بابَ معاويةَ فلم يُؤذنْ له، فقالَ: من يَغْشَ سُدَدَ السلطانِ يَقُمْ ويَقْعد».
وقلتُ: الأشبهُ أن تُحملَ الإضافةُ في أبوابِ السُّددِ على البيان، فيكنّى بها عن أبوابِ الملوكِ والعظماء، على أنْيرادَ بالسُّدةِ الظُلّةُ أو الساحة.
قولُه:(لو أقسمَ على الله لأبرّه)، قالَه صلواتُ اللهِ عليه في حديثِ الرُّبَيِّعَ، روينا عن البخاري ومسلمٍ وأبي داودَ والنسائي، عن أنسِ بنِ مالك، أنّ الرُّبَيِّعَ عَمّتَه كسرتْ ثَنِيّةَ جارية، فَطَلبوا إليها العفوَ فأبَوا، فَعرضوا الأَرْشَ فأبَوا، فأتوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، وأَبوا إلّا