حفظ القرآن وتفقه للشافعي مدة وعني باللغة فبرع فيها وأتقن النحو والصرف وله عمل في المعقول وباع مديد في المنقول ومعرفة بشيء من الأصول وكتابته حلوة منسوبة وفيه حياء وحلم وسكينة واحتمال كثير وقناعة وإطراح للتكلف وترك للتجمل والتودد وانجماع عن الناس وصبر على من يغتابه أو يؤذيه وقلة كلام إلا أن يسأل فيفيد ويجيب ويجيد وكان معتدل القامة أبيض بلحية سوداء أبطأ عنه الشيب ومتع بحواسه وذهنه وكان قنوعا بالقوت غير متأنق في مأكل ولا ثوب ولا نعل ولا مركب بل يصعد إلى الصالحية وغيرها ماشيا بهمة وجلادة وهو في عشر التسعين.
وكان طويل الروح ريض الأخلاق جدا لا يرد بعنف ولا يتكثر بفضائله ولا يكاد يغتاب أحدا وإذا كتب في النادر كتابا إلى أحد لا ينمقه ولا يزوقه وكان يستحم بالماء البارد في الشيخوخة وأما معرفة الرجال فإليه فيه المنتهى لم أعاين مثله ولا هو رأى في ذلك مثل نفسه وقال لي لم أر أحفظ من الدمياطي وكان ملحوظا بالتقدم في ذلك من وقت ارتحاله إلى مصر ولما أملى علي شيخنا ابن دقيق العيد لم يسألني عن أحد إلا عن المزي فقال كيف هو صنف كتاب تهذيب الكمال في أربعة عشر مجلدا أربى فيه على الكبار وألف أطراف الكتب الستة في ستة أسفار وخرج لجماعة وما علمته خرج لنفسه لا عوالي ولا موافقات ولا معجما وكنت كل وقت ألومه في ذلك فيسكت وقد حدث بتهذيبه الذي اختصرته أنا ثلاث مرات وحدث بالصحيحين مرات وبالمسند وبمعجم الطبراني ودلائل النبوة وبكتب جمة وحدث بسائر أجزائه العالية بل وبكثير من النازلة ولو كان لي رأي للزمته أضعاف ما جالسته سمعت بقراءته شيئا وافرا وأخذت عنه هذا الشأن بحسبي لا بحسبه ولن يخلفه الزمان أبدا في