واسع قميص الزهد، مغتبطاً بما عنده من الجهد، منقبضاً عن الناس، منجمعاً عن مخالطة الأدناس، يتنقل في المساجد المهجوره، ويقيم فيها كثيراً لا لضروره، يختفي فيها أياما، ويهجر بها ما عساه أن يهجر دوامًا، مع ما أحكمه من الفقه والعربية، والنكت الأدبية، وبرع فيه من معرفة السيرة وكثير من التاريخ وأسماء الرجال، وما يتسع في ذلك من المجال، ورأيت كثيراً من الفضلاء يقول: هو أقرب من أخيه إلى طريق العلماء، وأقعد بمباحث الفضلاء، وكان أخوه العلامة تقي الدين يحترمه ويتأدب معه، ويحذر أن يخدعه"انتهى
قلت: مقالته (يحذر أن يخدعه) عجيبة جدًا أن تخرج من رجل تتلمذ على الشيخ ابن تيمية، وعلم فضله وجهاده وما أوتيه من القوى العلمية والأحوال الإيمانية.
وقال ابن المحب: بلغني أنه كان يقول:" يقول: أخي نادر الغلط، وكان أبو محمد من الناقدين حديثًا وفقهًا وعربية".
وقال ابن عبد الهادي:" توفي يوم الأربعاء الرابع عشر من جمادي الأولى من سنة سبع وعشرين وسبعمائة، وصلى عليه ظهر اليوم المذكور بجامع دمشق، وحمل إلى باب القلعة، فصلى عليه مرة أخرى، وصلى عليه أخوه وخلق من داخل القلعة، وكان الصوت بالتكبير يبلغهما، وكثر البكاء في تلك الساعة وكان وقتًا مشهودًا، ثم صلي عليه مرة ثالثة ورابعة، وحمل على الرؤوس والأصابع إلى مقبرة الصوفية، فدفن بها وحضر جنازته جمع كثير وعالم عظيم، وكثر الثناء والتأسف عليه".