وَلَكِنْ حَرَمَهُ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى مَنْ حَوْلَهَا مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ لِتَخْتَارَ لَهُ ظِئْرًا؛ فَجَعَلَ كُلَّمَا أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ لِتُرْضِعَهُ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا حَتَّى أَشْفَقَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتُ فَأَحْزَنَهَا ذَلِكَ فَأُخْرِجَ إِلَى السُّوقِ وَمَجْمَعٌ النَّاسِ تَرْجُو أَنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُ مِنْهَا فَلَمْ يَقْبَلْ.
فَأَصْبَحَتْ أُمُّ مُوسَى وَالِهَةً فَقَالَتْ لأُخْتِهِ: قُصِّيهِ قُصِّي أَثَرَهُ وَاطْلُبِيهِ هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا أَحَيٌّ ابْنِي أَمْ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ وَنَسِيَتْ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهَا فِيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ أُخْتُهُ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، وَالْجُنُبُ أَنْ يَسْمُو بَصَرُ الإِنْسَانِ إِلَى الشَّيْءِ الْبَعِيدِ وَهُوَ إِلَى جَنْبِهِ لا يَشْعُرُ بِهِ.
فَقَالَتْ مِنَ الْفَرَحِ حِينَ أَعْيَاهُمْ الظُّؤَارُ: أَنَا {أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: ١٢] .
فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: مَا يُدْرِيكِ مَا نُصْحُهُمْ لَهُ؟ هَلْ تَعْرِفِينَهُ حَتَّى شَكُّوا فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ مِنَ الْفُتُونِ يَا ابْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَتْ: نَصِيحَتُهُمْ لَهُ وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ رَغْبَةٌ فِي صِهْرِ الْمَلِكِ وَرَجَاءُ مَنْفَعَتِهِ فَأَرْسَلُوهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أُمِّهَا فَأَخْبَرَتْهَا الْخَبَرَ فَجَاءَتْ أُمُّهُ فَلَمَّا وَضَعَتْهُ فِي حِجْرِهَا نَزَى إِلَى ثَدْيِهَا فَمَصَّهُ حَتَّى امْتَلأَ جَنْبَاهُ رَيًّا وَانْطَلَقَ الْبَشِيرُ إِلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ يُبَشِّرُهَا أَنْ قَدْ وَجَدْنَا لابْنِكِ ظِئْرًا فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهَا فَأُتِيَتْ بِهَا وَبِهِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَا يَصْنَعُ بِهَا قَالَتْ لَهَا: امْكُثِي عِنْدِي تُرْضِعِينَ ابْنِي هَا فَإِنِّي لَمْ أُحِبَّ حُبَّهُ شَيْئًا قَطُّ.
قَالَتْ أُمُّ مُوسَى: لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَدَعَ بَيْتِي وَوَلَدِي فَنَضِيعُ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُكِ أَنْ تُعْطِيَنِيهِ فَأَذْهَبُ بِهِ إِلَى بَيْتِي فَيَكُونُ مَعِي لا آلُوهُ خَيْرًا وَإِلا فَإِنِّي غَيْرُ تَارِكَةٍ بَيْتِي وَوَلَدِي، وَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسَى مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَهَا فَتَعَاسَرَتْ عَلَى امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ وَأَيْقَنَتْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ فَرَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا بِابْنِهَا، فَأَصْبَحَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ مُجْتَمِعِينَ يَمْتَنِعُونَ مِنَ السُّخْرَةِ وَالظُّلْمِ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: فَلَمَّا تَرَعْرَعَ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لأُمِّ مُوسَى: أُرِيدُ أَنْ تُرِيَنِي ابْنِي.
فَوَعَدَتْهَا يَوْمًا تُرِيهَا إِيَّاهُ فَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ لِخُزَّانِهَا وَقَهَارِمَتِهَا وَظُئُورَتِهَا: لا يَبْقَيَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلا اسْتَقْبَلَ ابْنِي الْيَوْمَ بِهَدِيَّةٍ وَكَرَامَةٍ لأَرَى ذَلِكَ فِيهِ وَأَنَا بَاعِثَةٌ أَمِينًا يُحْصِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute