كَانَ بِسَبَبِ الْمُعْجِزَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: ٤٨] فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَاشْتَهَرَ الْإِسْلَامُ، وَكَثُرَ الْمُسْلِمُونَ، وَظَهَرَتْ الْمُعْجِزَةُ، وَأُمِنَ الِارْتِيَابُ فِي ذَلِكَ، عَرَفَ حِينَئِذٍ الْكِتَابَةَ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى كَتَبَ وَقَرَأَ ". قَالَ مُجَالِدٌ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ: صَدَقَ، قَدْ سَمِعْت أَقْوَامًا يَذْكُرُونَ ذَلِكَ. انْتَهَى قَالَ: وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْت لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا: الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ» .
قَالَ: وَالْقُدْرَةُ عَلَى قِرَاءَةِ الْمَكْتُوبِ فَرْعُ مَعْرِفَةِ الْكِتَابَةِ، وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَقْدَارِ اللَّهِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بِغَيْرِ تَقَدُّمَةِ مَعْرِفَةِ الْكِتَابَةِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْمُعْجِزَةِ، وَبِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حُذِفَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَالتَّقْدِيرُ فَسَأَلْتُ عَنْ الْمَكْتُوبِ فَقِيلَ لِي: هُوَ كَذَا، وَمِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَمَرَ مُعَاوِيَةَ أَنْ يَكْتُبَ لِلْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، قَالَ عُيَيْنَةُ: أَتَرَانِي أَذْهَبُ إلَى قَوْمِي بِصَحِيفَةٍ كَصَحِيفَةِ الْمُلْتَمِسِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحِيفَةَ فَنَظَرَ فِيهَا، فَقَالَ: قَدْ كَتَبَ لَك بِمَا أُمِرَ فِيهَا» . قَالَ يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ أَحَدُ رُوَاتِهِ: فَيَرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ بَعْدَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ. وَمِنْ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي قِصَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ: «فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَكَتَبَ: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» - الْحَدِيثَ - وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُسْتَخْرَجِهِ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ: صَارَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute