فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَتَقُولُ: وَاجَبَلَاهُ وَكَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: مَا قُلْتِ شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَا؟ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَمْلِيَاءُ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْد عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ، فَقَالُوا: كَيْفَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ؟ فَقَالَ عِمْرَانُ: قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(فَائِدَةٌ) :
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ مَا كَانَ مِنْ النِّيَاحَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَذَابِ الَّذِي يُعَذَّبُ بِهِ الْمَيِّتُ، مَا يَنَالُهُ مِنْ الْأَذَى بِمَعْصِيَةِ أَهْلِهِ لِلَّهِ، وَاخْتَارَ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ آخِرِهِمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
٨٠٧ - (٧٧) - حَدِيثُ عَائِشَةَ: «رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، وَاَللَّهِ مَا كَذَبَ، وَلَكِنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ نَسِيَ، إنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى يَهُودِيَّةٍ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: إنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّهَا تُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا» ، انْتَهَى. وَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي أَوْرَدَهُ إنَّمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى عُمَرَ فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنِينَ بِبُكَاءِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ قَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» . وَقَدْ أَنْكَرَ النَّوَوِيُّ عَلَى الرَّافِعِيِّ مَا أَوْرَدَهُ، وَقَالَ: إنَّهُ تَبِعَ فِيهِ الْغَزَالِيَّ، وَهُوَ غَلَطٌ، وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْمُحْسِنِ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، بَلَغَهَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ: «إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ وَابْنَ عُمَرَ، وَاَللَّهِ مَا هُمَا بِكَاذِبَيْنِ. وَلَكِنَّهُمَا وَهَمَا» ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ لَمَّا بَلَغَهَا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ: إنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونَ عَنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute