للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخول الكفار من بعض الثغور، فيصيبون المسلمين. وإن احتاج إلى بناء حصن، أو حفر خندق، فعل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حفر خندق على المدينة في غزوة الأحزاب. وإذا بعث جيشاً، أو سرية، لزمه أن يولي عليهم أميراً على الصفة المذكورة، ويوصيه بجيشه؛ لما روى بريدة قال: «كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا بعث أميراً على سرية، أو جيش، أمره بتقوى الله في خاصته، ومن معه من المسلمين» ، ولما بعث أبو بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جيوشه إلى الشام، خرج مع أمرائهم يشيعهم، ويوصيهم، ويعهد إليهم.

فصل

وإذا أراد الإمام، أو الأمير الغزو، لزمه أن يعرض جيشه، ويتعاهد الخيل والرجال، فلا يدع فرساً حطماً، وهو الكسير، ولا قحماً، وهو الكبير، ولا ضرعاً وهو الصغير، ولا هزيلاً يدخل معه أرض العدو، لئلا ينقطع فيها، وربما كانت سبباً للهزيمة. ولا يأذن لمخذل من الناس، وهو الذي يفند الناس عن الغزو، ولا لمرجف، وهو الذي يحدث بقوة الكفار، وضعف المسلمين، وهلاك بعضهم، ويخيل لهم أسباب ظفر عدوهم بهم، ولا لمن يعين العدو بمكاتبتهم، بأخبار المسلمين، والتجسس لهم، ولا لمن يضر المسلمين بإيقاع الاختلاف بينهم، ولا لمن يعرف بالنفاق والزندقة؛ لقول الله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} [التوبة: ٨٣] . وقَوْله تَعَالَى: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٤٦] . وقَوْله تَعَالَى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالا وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} [التوبة: ٤٧] قيل: معناه: لأوقعوا بينكم الاختلاف، وقيل: لأسرعوا في تفريق جمعكم؛ ولأن في حضورهم ضرراً، فيجب صيانة المسلمين عنه. ولا يأذن لطفل ولا مجنون؛ لأن دخولهم تعرض للهلاك، لغير فائدة. ويجوز أن يأذن لمن اشتد من الصبيان؛ لأن فيهم معونة ونفعاً، ولا يأذن لمشرك؛ لما روت عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج إلى بدر، فتبعه رجل من المشركين، قال: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا. قال: فارجع فلن نستعين بمشرك» . حديث حسن. فإن دعت حاجة إليه، ولم يكن حسن الرأي في المسلمين، لم يستعن به أيضاً؛ لأن ما يخشى من ضرره أكثر مما يرجى من نفعه، وإن كان حسن الرأي فيهم، جاز؛ لأن صفوان بن أمية شهد حنيناً مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو على شركه. ولا يأذن للمرأة الشابة الجميلة؛ لأنها ليست من

<<  <  ج: ص:  >  >>