للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدوه، فيتحرز منهم، ويتمكن من الفرصة فيهم، ويستشير ذوي الرأي من أصحابه؛ لقول الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] . وكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أكثر الناس مشاورة لأصحابه. ويمنع جيشه من المعاصي، والتشاغل بالتجارة المانعة لهم من القتال، ويقوي نفوسهم بما يخيل إليهم من أسباب الظفر، ويعد ذا الصبر منهم بالأجر والنفل، ويخفي من أمره ما أمكن إخفاؤه؛ لئلا يعلم به عدوه، فقد كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد غزوة، ورى بغيرها، ولا يميل مع أهله وموافقيه في مذهبه على مخالفيه؛ لئلا تنكسر قلوبهم، فيخذلوه عند الحاجة، ويعد لهم الزاد، ويراعي من معه، ويرزق كل واحد بحسب حاجته.

فصل

ويقاتل أهل الكتاب والمجوس، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون؛ لقول الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] . ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا، في ظاهر المذهب. ولا يجوز قتل نسائهم، وصبيانهم؛ لما روى ابن عمر «عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه نهى عن قتل النساء والصبيان» ، متفق عليه؛ ولأنهما يصيران رقيقاً ومالاً للمسلمين، فقتلهما إتلاف لمال المسلمين.

ولا قتل شيخ فإن؛ لما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «لا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا امرأة» رواه أبو داود؛ ولأنه لا نكاية له في الحرب، أشبه المرأة.

ولا قتل زمن ولا أعمى؛ لأنهما في معنى الشيخ الفاني. ولا راهب؛ لما روي عن أبي بكر الصديق - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أنه أوصى يزيد بن أبي سفيان حين بعثه إلى الشام، فقال: لا تقتلوا الولدان، ولا النساء، ولا الشيوخ، وستجدون قوماً حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا له أنفسهم، ولا قتل خنثى مشكل، لأنه يحتمل أنه امرأة، فلا يجوز قتله مع الشك. ومن قاتل من هؤلاء كلهم، قتل؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قتل يوم قريظة امرأة ألقت حجراً على محمود بن مسلمة. ومن كان ذا رأي يعين به في الحرب، جاز قتله؛ لأن الرأي في الحرب، أبلغ من القتال؛ لأنه الأصل. وعنه يصدر القتال. قال المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني

<<  <  ج: ص:  >  >>