((أعلمهم بالسنة)) ولو أن عندنا شخصين كلاهما حافظ للقرآن، حافظ للقرآن متقن، مجود، ضابط، وأحد الاثنين يحفظ مائة ألف حديث، والثاني ما يحفظ ولا ألف حديث، لكن الأول الحافظ ما يفهم من معانيها شيء، ولا يستطيع أن يستنبط منها شيء، والحافظ الألف مستفيد من هذه الأحاديث فائدة تامة، يستنبط منها، ويتفقه ويفقه من هذه الألف من يقدم؟ يقدم الثاني؛ لأنه ما قال: الأحفظ للسنة، قال: الأعلم بالسنة، وهذا مما ينبغي أن يفرق فيه بين الكتاب والسنة، الكتاب لا بد من أن تتقن حروفه ويتقن حفظه؛ لأنه لا بد أن يؤدى كما هو بحروفه، بمدوده، بحركاته، بشداته، السنة الرواية بالمعنى يجيزها جمهور أهل العلم، لكن أعظم من الحفظ الفهم، اللي هو الثمرة العظمى من التفقه في السنة، ولا يعني هذا أن الإنسان يقلل من حفظ السنة، لا، السنة أصل أصيل في تأصيل العلم الشرعي، لكن مع ذلك الفهم أمر لا بد منه، ولذا قال:((فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواءً)) في الحفظ والفهم على حد سواءً ((فأقدمهم هجرة)) يعني أقدمهم انتقال من بلد الكفر والشرك إلى بلد الإسلام، فالهجرة: هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وهي واجبة، وباقية إلى قيام الساعة، وأما حديث:((لا هجرة بعد الفتح)) فالمراد به لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها صارت دار إسلام، من أهل العلم من يقول: لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، ولا شك أن الفضل اختلف بعد الفتح {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(١٠) سورة الحديد] لا شك أن أوقات الحاجة والشدة تجعل بعض الأعمال المفوقة فائقة لشدة الاحتياج إليها، أما في وقت السعة يخف الأمر، ولذا يقول بعضهم: لا هجرة بعد الفتح فضلها وأجرها كفضل الهجرة قبل الفتح، من تقدمت هجرته أفضل ممن تأخرت هجرته، وهذا بعد الاستواء بالكتاب والسنة.