وعن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- قال:"ألحدوا لي لحداً" اللحد والإلحاد هو الميل، واللحد في القبر الميل به إلى جهة القبلة، بأن يحفر في داخل القبر إلى داخل القبلة، فيوضع فيه الميت هذا اللحد، وأما الشق فهو مجرد الحفر في الأرض دون ميل إلى جهة بعينها، وكان في المدينة رجل يلحد القبور، ورجل لا يلحدها، فلطلب أحدهما فجاء الذي يلحد فحفر للنبي -عليه الصلاة والسلام- لحداً، هكذا جاء عند أحمد وابن ماجه بإسناد لا بأس به، فدل على جواز الأمرين، وإن كان الحد أفضل؛ لأن الله -جل وعلا- ما كان ليختار لنبيه إلا الأفضل، وجاء في حديث:((اللحد لنا، والشق لغيرنا)) على كل حال الشق إذا لم يمكن اللحد فالشق لا بأس به، إذا لم يمكن كانت الأرض رخوة إذا تعرض لها من أي جهة منها انهارت فمثل هذا لا بأس به، لكن إن أمكن اللحد فهو الأفضل من الشق "ألحدوا لي لحداً، وانصبوا علي اللبن نصباً" نصب بأن تجعل واقفة مائلة إلى جهة اللحد، كما صنع برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهذه هي السنة، لكن إذا اعترى المسألة غير هذا بأن كانت الأرض رخوة لا يمكن أن يلحد فيها يكفي الشق، ويوضع الميت في هذه الحفرة على أي حال كان وضعها، والله المستعان.
وللبيهقي عن جابر –رضي الله عنه- نحوه، وزاد:"ورفع قبره عن الأرض قدر شبر" وصححه ابن حبان لكنه معلول، فيه ضعف، وعلى كل حال جاء النهي عن كون القبور مشرفة، يعني مرتفعة، وأوصى النبي -عليه الصلاة والسلام- علي بن أبي طالب ألا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه، فرفع القبور لا يجوز أكثر من شبر بحيث يتميز ويعرف أنه قبر، أما أكثر من ذلك فهو إشراف لهذا القبر تجب تسويته، وأوصى علي بن أبي طالب أبا الهياج الأسدي أن لا يرى قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها، فيرفع القبر بقدر ما يعرف أنه قبر، وذلك يتم بكونه شبر، ويكون أيضاً مسنماً أي محدباً؛ لأنه إذا كان مسطحاً لاستقرت عليه المياه وأثرت عليه، أما كونه مسنماً يجعل الماء لا يستقر عليه.