وعن عائشة -رضي الله تعالى- عنها قالت:((دخل علي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم)) دخل علينا ذات يوم، يعني في النهار، قال: هل عندكم شيء، قلنا: لا، مفهومه أنهم لو قالوا نعم أكل، قلنا: لا، قال: فإني إذن صائم، ((ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: أهدي لنا حيس))، منطوقه أنه أكل، فقال:((أرينيه فقد أصبحت صائماً فأكل))، لكن مفهومه أنه لو لم يأكل لو لم يجد عندهم شيئاً صام، فمفهوم الجملة الأولى مؤيد لمنطوق الجملة الثانية، ومفهوم الجملة الثانية مؤيد لمنطوق الجملة الأولى، فدلت الجملتان بالمنطوق والمفهوم أن صيام النفل يصح من أثناء النهار، وبهذا يخرج من عموم حديث حفصة السابق، الذي فيه أن الصيام لا يصح إلا أن يبيت من الليل، فيحمل حديث حفصة على الصيام الواجب، ويحمل حديث عائشة على النفل؛ لأنه يتوسع في النفل ما لا يتوسع في غيره، فإذا أمكن أن يحمل كل من الحديثين على وجه فيتم العمل بهما معاً أم أولى من القول بالترجيح أو النسخ والجمع ممكن، لحمل حديث حفصة على الواجب وحمل حديث عائشة على النفل.
يقول:((لا صيام لمن لم يفرضه من الليل)) وهو بمعنى ما تقدم يبيت النية، فالنية شرط لصحة كل عبادة، لكن لا شك أن الاحتياط للواجبات يكون أكثر من الاحتياط للمندوبات، فقد جاء في النوافل من التساهل ما لم يأت نظيره في الفرائض ((ثم أتانا يوماً آخر فقال: أهدي لنا حيس)) الحيس هو التمر مع السمن والأقط، فقال:((أرينيه))، ليتأكد من وجوده، لئلا يعزم على الفطر قبل أن يوجد المبرر أو ليرى هل إعداده مناسب مما تشتهيه النفس؛ لأن بعض الناس ينوي الفطر ثم بعد ذلك يكون الطعام الذي يريد أن يأكله غير مناسب له؛ لأن الفقهاء ينصون على أن من نوى الإفطار أفطر، شخص مسافر وهو صائم يوم من رمضان، صائم يوم من رمضان، وهو مسافر يجوز له الفطر، دخل مطعم يريد أن يأكل، فرأى الطعام الذي عندهم غير مناسب يفطر أو ما يفطر؟ هنا قال:((أرينيه)) قبل أن يعقد العزم على الإفطار.