في الحديث السابق ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كأنما صام الدهر كله)) عرفنا أنه تشبيه للممدوح بالمذموم من وجه دون وجه، يعني لا في حقيقة المعنى الذي من أجله ذم صيام الدهر، إنما على فرض مشروعيته، فكأن هذا صام أيام السنة كلها.
باب الاعتكاف وقيام رمضان:
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((من قام رمضان إيماناًَ واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) [متفق عليه].
ذكر المؤلف -رحمه الله تعالى- باب الاعتكاف وقيام رمضان، الاعتكاف والعكوف على الشيء: لزومه، ويراد بالاعتكاف شرعاً: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، وحبس النفس عن الاسترسال في الأمور التي تزاول خارج المسجد، من أجل أن يخلو العبد بربه، ويتفرغ لعبادته الخاصة، من صيام وصلاة وذكر وتلاوة ودعاء، ولذا لا يستحب في الاعتكاف أن ينشغل الإنسان بما يشغل قلبه، ولو كان فيه نفع، من النفع المتعدي، عمل بدني، أو تعليم علم، أهل العلم لا يرون هذا، فالاعتكاف مخصص للعبادات الخاصة، للصلاة والصيام والذكر والدعاء والتلاوة فقط.
وقيام رمضان ليس المقصود بالقيام الانتباه، وإنما المقصود به الصلاة وفي حكمها الذكر والتلاوة، فهي من القيام لو أن الإنسان قام الثلث الأخير بمقدار ساعتين، ساعة للصلاة، وساعة لقراءة القرآن، هل نقول: هذا قام ساعتين أو قام ساعة واحدة؟ ساعتين؛ لأن التلاوة والذكر حكمها حكم الصلاة، كلها مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، فيشمله القيام.