وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((من قام رمضان إيماناًَ واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وحديثه الآخر: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وفي الحديث الثالث لأبي هريرة: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً إيماناً بالله -جل وعلا- وتصديقاً بوعده واحتساباً طلباً للأجر من الله -جل وعلا-، مخلصاً في ذلك غفر له ما تقدم من ذنبه، متفق عليه، والغفران هنا مطلقه يتناول جميع الذنوب، ((غفر له ما تقدم)) (ما) من صيغ العموم، و ((من ذنبه)) ذنب مفرد مضاف فيعم؛ لكن الجمهور على أن الكبائر لا بد لها من توبة.
((من قام رمضان)) هذا الوعد هل يتحقق بقيام ليلة أو بقيام جميع رمضان؟ ظاهر اللفظ يدل على أنه لا بد من قيام جميع رمضان، لأنه قال:((من قام رمضان)) ما قال: من قام في رمضان أو قام ليلة من رمضان، من قام رمضان، ورمضان يشمل جميع الشهر، وعلى كل حال القيام شأنه عظيم في رمضان وفي غير رمضان، وهو دأب الصالحين، و ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) والنبي -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(١٦) سورة السجدة] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ثم بعد ذلك قال: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(٩) سورة الزمر] فالقانت آناء الليل والنهار هم الذين يعلمون، والنائمون هم الذين لا يعلمون، فمن وصف أهل العلم أنهم أهل قيام بدلالة هذه الآية، والنصوص التي ترغب في القيام كثيرة جداً، ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) وصار بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.