يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:"بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- في الثقل" في المتاع، ثقل المرء متاعه، "أو قال: في الضعفة" يعني من أهله من نساء وذرية "من جمع" يعني من مزدلفة "بليل" يعني بعد منتصفه، وبعد مغيب القمر يسوغ لأهل الأعذار أن ينصرفوا من جمع بعد أن يجلسوا فيها غالب الليل، والحكم للغالب، في حديث أسماء أنها كانت ترقب القمر، ولا يغيب القمر إلا بعد مضي غالب الليل، فإذا غاب انصرفت، وهنا بعثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بليل، يعني قبل طلوع الفجر، وعلى هذا من كان معذوراً بحيث لا يستطيع مزاحمة الناس له أن ينصرف، ومنهم من يطرد يقول: الحكم للغالب، فإذا جلس، مكث الحاج بمزدلفة إلى نصف الليل، وزاد على ذلك قليلاً فطرداً لقولهم: أن الحكم في المسائل للغالب أنه ينصرف الجميع، هذا القول معروف عند الحنابلة والشافعية، الانصراف من منتصف الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم مكث في مزدلفة حتى صلى الصبح، اضطجع حتى طلع الفجر، ثم صلى الصبح، وذهب إلى المشعر، فقام يذكر الله عند المشعر الحرام، حتى أسفر جداً، ثم دفع، وهذه هي السنة، وأوجب بعضهم البقاء إلى صلاة الصبح، بل جعل صلاة الصبح بعضهم بمزدلفة ركن من أركان الحج، لما سيأتي في حديث عروة بن مضرس، وفيه ما فيه على ما سيأتي، وفي الحديث الذي يليه حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت:"استأذنت سودة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة المزدلفة أن تدفع قبله، وكانت ثبطة" الأصل في الثبط: البطيء الحركة، وفي الحديث الصحيح:"وكانت ثبطة ثقيلة" وهنا يقول "وكانت ثبطة" تعني ثقيلة، ولا شك أن الثقل سبب لبطء الحركة، فكونها ثبطة سببه أنها كانت ثقيلة، ومعروف أن الثقل في البدن سواء كان بسبب الزيادة في الوزن أو بسبب الإرهاق، أو بسبب المرض، أو كبر السن كل هذا يجعل الإنسان ثبطاً، يعني بطيء الحركة، وعلى كل حال هي كبيرة السن، وهي ثقيلة، فنشأ عن ذلك بطء الحركة، فصارت من الضعفاء، فاستأذنت، فأذن لها، وعائشة في ذلك الوقت كانت شابة نشيطة قوية ما استأذنت؛ لكنها تمنت فيما بعد أنها استأذنت كما استأذنت سودة، فاستدل بعضهم من كلامها أن