"فجاء آخر، فقال: لم أشعر نحرت قبل أن أرمي" عرفنا الترتيب: الرمي، ثم النحر، ثم الحلق، ثم الطواف، "نحرت قبل أن أرمي" هذا نحر بالفعل قبل أن يسأل؛ لكن هل رمى قبل أن يسأل، أو سأل قبل أن يرمي؟ محل احتمال، ويتجه الاحتمال السابق في قوله:((اذبح ولا حرج)) أيضاً هنا في قوله: ((ارمِ ولا حرج))، فإن كان رميه قبل السؤال فيكون قوله:((ارمِ)) مستقبلاً ولا حرج عليك، ويتقرر ما قررناه في الجملة السابقة، وإن كان نحر قبل السؤال، وأجل الرمي إلى أن يسأل فيكون قوله:((ارمِ)) في هذه الحجة ولا حرج عليك، فلا إثم عليك؛ لأنك لم تشعر، ((ارمِ ولا حرج)) لو كان الحديث انتهى إلى هذا الحد لاتجه القول بأن التقديم والتأخير مربوط بالنسيان على الاحتمال الأول؛ لكن بعد هذه المسائل التفصيلية تجيء القاعدة العامة، نعم هذا واحد لم يشعر، ثاني لم يشعر؛ لكن عموم السائلين ماذا عنهم؟ فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال:((افعل ولا حرج)) أقول: من أهل العلم من يرى أن قوله: "لم أشعر" وصف مؤثر، فلا يجوز التقديم والتأخير إلا مع النسيان، وفي حكمه الجهل، ومنهم من يقول: أبداً هذه الأعمال يجوز تقديمها سواء شعر أو لم يشعر، عمد أو نسي، علم أو جهل، القاعدة العامة التي تعقبت الأسئلة التفصيلية في قوله: "فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) ومقتضى قوله: ((لا حرج)) نفي الإثم، وإذا ألزم مع نفي الإثم بالدم فقد ألزم بالحرج، إذاً لا إثم، ولا دم بسبب هذا التقديم والتأخير، فالمتجه أنه يجوز التقديم والتأخير للعامد والناسي، للعالم والجاهل، لمن يشعر ولمن لم يشعر؛ لأنه أردف الأسئلة التفصيلية بقوله: فما سئل يومئذ عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)).
النبي -عليه الصلاة والسلام- رتب، وقال:((خذوا عني مناسككم)) بين بفعله المجمل، ودل قوله:((افعل ولا حرج)) أن هذا الترتيب على جهة الاستحباب، لا على سبيل الوجوب.