على كل حال البيت والمسكن والأكل والشرب والزواج أيضاً هذه حاجات ضرورية أصلية، يؤخذ من مثل هذا الوقف، وما عدا ذلك من الكماليات فلا، والكماليات في وقت قد تكون ضرورية في وقتٍ آخر، بمعنى أنها إذا صارت من عادة الناس واستمروها، ولم يستطيعوا العيش بدونها فإنها حينئذٍ تكون أصلية فمثلاً قبل ثلاثين سنة هل يمكن أن يعطى الإنسان زكاة من أجل أن يشتري مكيف أو ثلاجة؟ ما يعطى، لكن الآن؟ هل يستطيع أن ينام بدون مكيف؟ أو يشرب ماء بدون ثلاجة؟ صارت حاجة أصلية ضرورية، بعض الفقراء الذين يعيشون على الزكاة تجد معه جوال ومع زوجته جوال، ومع ولده جوال، ومع بنته جوال، مثل هذا عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، فلا يأخذ أموال المسلمين لمثل هذه الأمور؛ لأنه يمكن أن يعيش بدون جوال، نعم يلحقه مشقة، لكن ليس من الحاجات الأصلية التي قد تدفع من أجلها الزكاة.
يقول: قال الصنعاني -رحمه الله-: ذهبت الهادوية وأبو حنيفة إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة، سؤالي: من هم الهادوية؟
الهادوية فرقة طائفة من الزيدية هم في وقت الصنعاني غالب سكان اليمن، فيعتني الصنعاني -رحمه الله- بذكر أقوالهم ليروج الكتاب وإلا هم طائفة مبتدعة، فرقة من الزيدية لا يعتد بقولهم.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
يقول في قوله:((كالكلب يقيء ثم يرجع في قيئه)) هل نستطيع القول بأنه شبه العائد في هديته بالكلب وأنه شبه هنا الهدية المعاد فيها والمرجوع فيها فقط بالقيء دون تشبيه ذلك بالهدية التي يعاد فيها؟
نقول: التشبيه لا يلزم فيه المطابقة من كل وجه، فإذا وجدت المطابقة من وجهٍ صح التشبيه، ولذا جاء تشبيه الوحي وهو محمود بصلصلة الجرس وهو مذموم، فصلصلة الجرس لها أكثر من وصف، ولها أكثر من جهة، جهة فيها تدارك الصوت وتتابعه، وفيها أيضاً جهة الإطراب التي من أجلها ذمّ التشبيه في التدارك لا في الإطراب، وحينئذٍ يتم التشبيه، تشبيه رؤية الباري -جل وعلا- برؤية القمر ليلة البدر ليس من كل وجه، وإنما تشبيه رؤية برؤية لا مرئي بمرئي وهكذا، فإذا شبهنا العائد في هبته بالكلب انطبق، ووجه الشبه بينهما أن هذا يعود في هبته وهذا يعود في قيئه، فصح التشبيه من هذه الحيثية.