للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

((يبيت ليلتين)) دون أن يكتب هذه الوصية ((إلا ووصيته مكتوبة عنده)) والليلتين على سبيل التقريب والمبادرة وإلا جاء ثلاث، وجاء ليلة، فليس المراد تحديد الوقت؛ لأنه قد يقول قائل: إذا كنا لا نضمن شهراً أو سنةً لماذا لم يقل: شهر أو سنة؟ فكيف نضمن ليلة أو ليلتين؟ المقصود بذلك المبادرة إلى كتابة الوصية وليس التحديد بالعدد على ظاهره، وإلا فالإنسان يمكن أن يموت وهو في مكانه، لكن المقصود بذلك المبادرة، وتعجيل كتابة الوصية، ومثلما ذكرنا الوصية عند عامة أهل العلم مستحبة إذا لم تكن في واجب، في سداد دين أو شبهه، وأوجبها أهل الظاهر، وأصل الصدقة بالقدر الزائد على ما أوجب الله تعالى من زكاة وكفارات وغير ذلك من أنواع الواجبات له ندب، فكيف توجب عليه بعد وفاته، فالمرجح قول الجمهور، ما لم تكن في أمرٍ واجب كالدين مثلاً، سواء كان لله -جل وعلا- من كفارات وشبهها، أو كان للآدمي فمثل هذا لا بد أن يكتب، فإذا كتبت هذه الوصية سواء كانت واجبة أو مندوبة، فعند جمع من أهل العلم أنه لا بد من الإشهاد عليها؛ لأن الحقوق لا تثبت إلا بالشهادات، وجمع من أهل التحقيق يرون أنه لا تلزمه الشهادة، بل إذا كتبها بيده، إذا كتبها بقلمه، وعرف قلمه كفى، يعني عرف الوارث قلم المورّث، وأنه كتب هذه الوصية بثلث ماله فأقل لجهةٍ غير وارثة لزم العمل بها، وكتابة الوصية، ومعرفة الخط نوع من المجادة، فإذا وجد الوارث بخط مورثه كتابة ملزمة للوارث بشيء عليه أن يعمل به، وإذا وجد بقلمه ديناً له على فلان يدعيه فيقوم مقامه حينئذٍ، إذا عرف خطه الذي لا يتردد فيه حتى قال بعض أهل العلم: إن له أن يحلف عليه؛ لأن هذه قرينة تغلب على الظن ثبوت الدعوى بغض النظر عن ثبوت المدعى به، الوجادة في علوم الحديث هي أن يجد الطالب أو يجد الراوي بخط شيخه الذي لا يشك فيه حديثاً فيرويه عنه على سبيل الوجادة، فيقول: وجدت بخط فلان، ولها شوب اتصال كما يقول أهل العلم، لها شوب اتصال، يعني لا يحكم باتصالها؛ لأن الواجد قد يكون ممن تأخر وجوده لهذه الوجادة بعد وفاة الكاتب، بل قد يكون وجوده في هذه الحياة -أعني الواجد- بعد موت الكاتب بمفاوز بحيث لا تمكن معاصرته له، ولذا قالوا: