((ماؤه)): فاعل، فاعل المصدر، ومثله ميتته فاعل الحل، والمراد بالحل ضد الحرام، ضد الحرام، الحل ضد المحظور، فميتة البحر حلال، كما أن ماءه طهور بمعنى أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، طاهر في نفسه ولو تغير طعمه؛ لأن الذي أوجد الإشكال عند السائل تغير طعم ماء البحر، كأنه لما سمع قوله تعالى:{وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا} [(٤٨) سورة الفرقان]، رأى أن غير ماء السماء وما يشبهه في الطعم أنه مشكل، فسأل عنه.
فماء البحر طهور، وميتته حلال، والمراد بميتة البحر مما لا يعيش إلا به -في البحر- ما لا يعيش إلا في البحر.
وتفصيل ميتة البحر يأتي في كتاب الأطعمة، لكن ما يمنع أننا نشير إشارة إلى أن أهل العلم اختلفوا في المراد بميتة البحر، فمنهم من قال مثل ما تقدم: ما لا يعيش إلا في البحر سواءً كان جنسه ممنوعاً في البر أو ليس بممنوع، ككلب البحر وخنزيره.
كلب البحر، خنزير البحر حلال وإلا حرام، إنسان البحر؟ إنسان البر لا يجوز أكله، كلب البر لا يجوز أكله، خنزير البر لا يجوز أكله، البري لا يجوز أكله، فهل خنزير البحر يجوز أكله أو لا يجوز؟
مقتضى هذا الحديث:((الحل ميتته)) أنه يجوز، ومقتضى النصوص القطعية من الكتاب والسنة أن الخنزير لا يجوز أكله، فهل نقول: إن ما جاء في الآيات والأحاديث من تحريم أكل لحم الخنزير عام مخصوص بهذا الحديث؟ أو نقول: هذا الحديث عام مخصوص بالآيات والأحاديث الدالة على تحريم أكل لحم الخنزير؟
والمسألة تحتاج إلى مزيد من البسط فترجأ إلى محلها، لكن الذي يهمنا هنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((هو الطهور ماؤه، هو الطهور ماؤه)): فماء البحر طهور، يجوز رفع الحدث به، واستقر الإجماع على ذلك، وإن عرف عن بعض السلف المنع من التطهر به، وأنه لا يرفع الحديث، لكن الإجماع استقر.