يحكم للمدعي بقطعة من نار ((فإنما أقطع له قطعة من نار)) وفي رواية: ((فإن شاء أخذها، وإن شاء فليدعها)) وهذا أسلوب تهديد، وليس أسلوب تخيير، لا، وعامة أهل العلم على أن هذا الحكم لا يحل ولا يبيح للمدعي أخذ ما حكم له به، وإن حكم به القاضي، وأيده التمييز، فإنه حرام عليه أن يأخذ منه شيئاً، ومعروف عند الحنفية أنه إذا حكم به القاضي نفذ حكمه ظاهراً وباطناً، ويحل له أن يأكل ما حكم له به القاضي، لكن هذا القول مصادم لهذا النص الصحيح الصريح، ومنهم من يفرق بين الفروج وبين الأموال، فيقول: ينفذ الحكم ظاهراً وباطناً في النكاح والطلاق، ولا ينفذ باطناً -وإن نفذ ظاهراً- في الأموال، مع أنك تعجب من مثل هذا القول، وإلا المفترض أن يكون العكس؛ لأن الفروج يحتاط لها أكثر مما يحتاط للأموال، وعلى كل حال الحديث نص قاطع في أنه لا يحل له أن يأخذ ما حكم له به إذا كان مبطلاً في حقيقة الأمر.
يقتطع له قطعة من نار، والذين يأكلون أموال اليتامى جاء في القرآن عنهم أنهم {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [(١٠) سورة النساء] و ((الذي يشرب في آنية الذهب إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) لأن هذا هو المآل، معصية توعد عليها بالعذاب بالنار، فهذا مآله، وهذا في حقوق العباد، وأمره أشد من حقوق الله تعالى، هذا من الديوان الذي لا يغفر، وإن كان ما دون الشرك داخل تحت المشيئة، لكن أمره أشد من حقوق الله -جل وعلا-.
ثم بعد هذا قال -رحمه الله تعالى-: "وعن جابر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:((كيف تقدس أمة؟ )) " التقديس: هو التطهير ((كيف تقدس أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟! )) كيف تطهر هذه الأمة وهذا واقعها؟ الشديد القوي يأكل الضعيف، وهذا استبعاد لهذا التطهير وهذا التقديس ((كيف تقدس أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم؟! )) والحديث له شواهد من حديث بريدة وأبي سعيد، كما أشار المؤلف -رحمه الله تعالى-، وبها يصل إلى درجة الحسن لغيره، وإلا فمفرداتها ضعيفة.