للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختلفوا في تحديد القرن بالزمان من أربعين إلى مائة وعشرين، لكن الاصطلاح بين أهل العلم استقر على أن المراد بالقرن مائة سنة، وعليه عامة المؤرخين الذين يؤرخون للقرون، جعلوه مائة سنة، مع أننا لو نظرنا إلى أعمار الناس فالقوم المتشابهون يجمعهم في الغالب سبعون سنة، وهذا قول جمع من أهل العلم أن المراد بالقرن سبعون سنة، وحدد ابن حجر في فتح الباري نهاية القرون المفضلة بسنة مائتين وعشرين، كيف يكون التحديد بمائتين وعشرين؟ على اعتبار أن القرن سبعين، طيب مائتين وعشرين، لماذا يصير مائتين وعشرة؟ بناء على أن ((ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)) ثلاث، فقرنه انتهى بسنة عشرة، فإذا أضفنا إليها الذين يلونهم سبعين، والذين يلونهم سبعين، والذين يلونهم سبعين، يكون الحد مائتين وعشرين، وابن حجر ذكر في فتح الباري أنه في هذا الزمن كثرت البدع، وانتشرت، وصار لها من يدعهما ويروجها، ويمتحن عليها، أصول البدع وجدت في وقت مبكر، في آخر عهد الصحابة، وجد بعض البدع، لكنها ضعيفة، وإنما نشطت وقويت ودعمت وامتحن من أجلها الأخيار في هذا الزمان الذي ذكره ابن حجر -رحمه الله-.

((ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم)) يعني يوجد قوم ((يشهدون ولا يستشهدون)) هؤلاء الذين يدلون بشهاداتهم قبل أن تطلب يشك فيهم أنهم يوجد ما يدفعهم إلى الإدلاء بهذه الشهادة، فتقوى التهمة بالنسبة لهم، ولذا وجه إليهم الذم، وإلا ما الذي يجعل هذا الشاهد يدلي بما عنده قبل أن يطلب؟ إنما هو لرغبة أو رهبة، فسيق الخبر عنهم مساق الذم، وهذا فيما إذا لم يخش ضياع الحق، أما إذا خشي ضياع الحق فحديث زيد بن خالد صريح في أنه يدلي بشهادته قبل أن يستشهد.

((ويخونون ولا يؤتمنون)) يوجد بعد القرون المفضلة يخونون ولا يؤتمنون، وكثرت الخيانة في الناس، وأول ما يرفع من الدين الأمانة، قد يقول قائل: إنه وجد في عصر الصحابة، وفي عصر التابعين، وفي عصر تابعيهم من ذلك شيء، لكن الحكم عند أهل العلم إنما هو بالنسبة للغالب.