وهذه مِنْ أَعْجبها - إن وجَدْتَ متعجِّباً - وليتَ شعري إن كانت هذه أموراً هيِّنة، وكان المدى فيها قريباً، والجَدى يسيراً، من أينَ كانَ نَظْمٌ أشرَفَ من نَظمٍ، وبِمَ عَظُمَ التفاوتُ، واشتدَّ التباينُ، وتَرقَّى الأمرُ إلى الإعجاز، وإلى أن يَقْهر أعناقَ الجبابرة؟ أَوَ هاهنا أمورٌ أُخَرٌ نُحيلُ في المزية عليها، ونَجْعلُ الإعجازُ كان بها، فتكونَ تلكَ الحوالةُ لنا عذْراً في ترك النظر في هذه التي معنا، والإعراضِ عنها وقلَّة المبالاةِ بها؟ أَوَ ليس هذا التهاونُ - إنْ نَظَر العاقلُ - خيانةً منه لِعقله ودينهِ، ودخُولاً فيما يُزري بذي الخَطَر، ويغضُّ من قَدْر ذَوي القَدر؟ وهل يكون أضعفُ رأياً وأبعدُ من حُسْن التدبر منكَ، إذا هَمَّك أنْ تعرفَ الوجوهَ في {أَأَنذَرْتَهُمْ}[يس: ١٠] والإمالةَ في {رَأَى القمر}[الأنعام: ٧٧] وتعرفَ "الصراط" و "الزراط" وأشباهَ ذلك، مما لا يَعْدُو عِلْمُك فيه اللفظَ وجَرْسَ الصوت، ولا يَمنعُكَ إنْ لم تَعلمْه بلاغةً، ولا يَدْفعُكَ عن بيانٍ، ولا يُدخِلُ عليك شَكّاً، ولا يُغْلق دونَكَ بابَ معرفةٍ، ولا يُفْضى بك إلى تحريفٍ وتبديلٍ، وإلى الخطإ في تأويلٍ، وإلى ما يَعظُمُ فيه المَعابُ عليكَ، ويُطيلُ لسانَ القادحِ فيك، ولا يَعْنيكَ ولا يَهُمُّك أنْ تَعرف ما إذا جهلْتَه، عرَّضْتَ نفسَك لكل ذلك، وحصلْتَ فيما هنالك، وكان أكثرُ كلامِك في التفسير، وحيثُ تخوض في التأويل، كلامَ مَنْ لا يَبْني الشيءَ على أصله، ولا يأخذُهُ من مَأْخذه، ومَنْ ربما وَقَعَ في الفاحش من الخطإ الذي يَبقى عارُه، وتَشنُع آثارُه.
ونَسأل اللهَ العِصْمةَ من الزلَلِ، والتوفيقَ لما هو أقربُ إلى رضاه، من القول والعمل.