قد حمَلَهُ الجميعُ على أنه أَدْخَلَ نَفْسَه من رفع "كلُّ" في شيء إنما يجوزُ عند الضرورة مِنْ غير أنْ كانت به ضرورةٌ. قالوا لأنه ليس في نصب "كلّ" ما يَكْسِرُ له وَزْناً أو يمنعه من معنى أراده. وإذا تأمَّلتَ وجدْتَه لم يَرتكِبْه ولم يَحْمِل نفسَه عليه إلاَّ لحاجةٍ له إلى ذلك، وإلاَّ لأنه رأى النَّصْبَ يَمنعُه ما يريد، وذاك أنه أراد أنها تدَّعي عليه ذَنباً لم يَصْنع منه شيئاً البتَّةَ لا قليلاً ولا كثيراً، ولا بَعضاً ولا كُلاًّ.
والنصْب يَمنعُ من هذا المعنى، ويَقْتضي أن يكون قد أتى من الذنبِ الذي ادَّعته، بعْضَه، وذلك أنَّا إذا تأملْنا وجَدْنا إعمال الفِعلِ في "كل"، والفعلُ منفيٌّ لا يَصْلُحُ أن يكونَ إلاَّ حيثُ يُراد أنَّ "بَعْضاً" كان و "بعضاً" لم يكن. نقولُ:(لم ألْقَ كلَّ القومِ ولم آخذْ كلَّ الدراهم)، فيكونُ المعنى أنك لقِيتَ بعضاً من القوم. ولم تَلْقَ الجميعَ، وأخذْتَ بعضَاً من الدراهم وتركْتَ الباقي، ولا يكون أَنْ تريد أنك لم تَلْقَ واحداً من القوم ولم تأخذْ شيئاً من الدراهم. وتعرف ذلك بأن تَنْظرَ إلى "كل" في الإثبات وتتعرفَ فائدتَه فيه.