للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وممَّا الصفةُ فيه للمعنى، وإنْ جرى في ظاهر المعاملة على اللفظِ، إلاَّ أنه يَبْعُد عند الناس كلَّ البعدِ أن يكون الأمرُ فيه كذلك، وأنْ لا يكونَ من صفةِ اللفظِ بالصحةِ والحقيقةِ وصْفُنا اللفظَ بأنه مجاز. وذاك أنَّ العادة قد جرتْ بأنْ يُقال في الفَرْق بين الحقيقة والمجاز: إنَّ الحقيقةَ أَنْ يُقَرَّ اللفظُ على أصله في اللغة، والمجازَ أنْ يُزالَ عن موضعِه، ويُسْتعملَ في غير ما وُضِع له، فيقالُ (أسدٌ) ويراد (شُجاع) و (بحرٌ) ويرادُ (جوادٌ). وهو وإن كان شيئاً قد استَحْكمَ في النفوس حتى إنك تَرى الخاصَّةَ فيه كالعامَّة، فإنَّ الأمرَ بعد فيه على خلافه. وذاك أنَّا إذا حقَّقْنا لم نجد لفظَ (أسد) قد استُعمِل على القطْع والبتِّ في غير ما وُضِع له. ذاك لأنه لم يُجْعَل في معنى (شجاعٍ) على الإطلاق، ولكنْ جُعِل الرجلُ بشجاعته: أسداً. فالتجوُّزُ: في أنِ ادَّعَيْتَ للرجل أنه في معنى الأسدِ وأنه كأنَّه هو في قوة قَلْبه وشدَّةِ بطْشِه وفي أنَّ الخوفَ لا يخامِرُهُ والذُّعْرَ لا يَعْرِضُ له، وهذا - إن أنتَ حصَّلْتَ - تجوُّزٌ منك في معنى اللفظِ لا اللفظِ، وإنما يكون اللفظُ مُزالاً بالحقيقةِ عن موضِعِهِ ومنقولاً عما وُضِعَ له، أنْ لو كنتَ تَجد عاقلاً يقول (هو أسَد): وهو لا يُضمِر في نفسِه تشبيهاً له بالأسد، ولا يُريد إلاَّ ما يريدُه إذا قال: هو شجاعٌ. وذلك ما لا يُشَكُّ في بطْلانِه.

كون المجاز أبلغ من الحقيقة

<<  <   >  >>