وليس العجبُ إلاَّ أنهم لا يَذْكُرون شيئاً من المجاز إلاَّ قالوا: إنه أبلغُ من الحقيقة. فليتَ شعري إن كان لفظُ "أسد" قد نُقِل عما وُضِعَ له في اللغة وأزيلَ عنه، وجُعِل يرادُ به (الشجاعُ) هكذا غُفْلاً ساذجاً، فمن أين يجب أن يكونَ قولُنا "أسد" أبلغ من قولنا "شجاع"؟ وهكذا الحُكْم في الاستعارة. هي وإنْ كانت في ظاهر المعاملة من صفةِ اللفظِ وكنَّا نقول: هذه لفظةٌ مستعارةٌ، وقد استُعِيرَ له اسمُ الأسد: فإنَّ مآلَ الأمرِ إلى أنَّ القصْدَ بها إلى المعنى. يدلُّكَ على ذلك أنَّا نقول:(جعَله أسداً وجعَله بدْرا وجعله بحْرا). فلو لم يكنِ القصْد بها إلى المعنى، لم يكنْ لهذا الكلام وَجْهٌ لأنَّ "جعَل" لا تصْلح إلاَّ حيثُ يُراد إثباتُ صفةٍ للشيء كقولِنا: (جعلْتُه أميراً وجعلتُه واحدَ دهره): تُريد: أثْبَتُّ لك ذلك! وحكْمُ "جعَل" إذا تعدَّى إلى مفعولين حكْمُ "صَيَّر". فكما لا تقول:(صيَّرْته أميراً)، إلا على معنى أنك أثبَتَّ له صفة الإمارة، كذلك لا يَصِحُّ أن تقول:(جعلته أسداً) إلا على معنى أنك جعلتَه في معنى الأسد. ولا يقال:(جعلتُه زيداً) بمعنى: سمَّيْتُه زيداً، ولا يقال للرجل:(إجْعَل ابنَك زيداً)، بمعنى: سمِّه زَيْدا، و (وُلِدَ لفلانٍ ابنٌ فَجَعله زيداً). وإنما يَدخُل الغَلطُ في ذلك على من لا يُحصِّل.