للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذه الجملةِ بيانٌ لِمَنْ عقَل ليستِ الاستعارةُ نْقْلَ اسْم عن شيءٍ إلى شيء، ولكنَّها ادِّعاءُ معنى الاسْمِ لشيءٍ. إذ لو كانتْ نَقْلَ اسْمٍ وكان قولُنا (رأيتُ أسداً) بمعنى: رأيتُ شبيهاً بالأسد، ولم يكن ادِّعاءَ أَنه أسدّ بالحقيقة، لكانَ مُحالاً أن يُقال: ليس هو بإنسانٍ ولكنَّه أسدٌ أو هو أسدّ في صورةِ إنسان: كما أنه محالٌ أن يقال: ليس هو بإنسانٍ ولكنَّه شبيهٌ بأَسد: أو يقال: هو شَبيهٌ بأسَدٍ في صورة إنسان.

وعلمْ أَنه قد كثُرَ في كلام الناسِ استعمالُ لفظِ النقل في الاستعارة. فمِنْ ذلك قولُهم: إنَّ الاستعارةَ تعْليقُ العبارةِ على غير ما وُضِعَت له في أصْل اللغةِ على سبيل النَّقْل: وقال القاضي أبو الحسن: الاستعارةُ ما اكتُفيَ فيه بالاسْمِ المُستعار عن الأصليِّ ونُقِلت العابرةُ فجعُلِتْ في مكانِ غيرِها، ومن شأْنِ ماَ غَمُضَ من المعاني ولَطُف، أن يصْعُبَ تصويرُه على الوجْه الذي هو عليه لعامة الناس، فيقَعَ لِذلكَ، في العبارات التي يُعبَّر بها عنه، ما يُوهمُ الخطَأ، وإطلاقُهم، في الاستعارة أنها نقلٌ للعبارَةِ عمَّا وُضِعت له، من ذلك. فلا يَصِحُّ الأَخذُ به. وذلك أَنك إذا كنتَ لا تُطْلِقُ اسْمَ الأَسد على الرجُلِ، إلاَّ مِنْ بَعْد أن تُدْخِلَه في جنس الأُسود، من الجهة التي بيَّنَّا، لم تَكنْ نقلْتَ الاسمَ عما وُضِعَ له بالحقيقةِ، لأنك إنما تكونُ ناقِلاً إذا أنْتَ أَخرجْتَ معناهُ الأَصْليَّ من أنْ يكونَ مقصودَكَ ونفَضْتَ به يدَك؛ فأَمَّا أنْ تكونَ ناقِلاً له عن معناه مع إرادةِ معناهُ فمحالٌ متناقِضٌ.

الاستعارة المكنية لا يظهر فيها النقل

واعلمْ أنَّ في الاستعارةِ ما لا يُتصوْر تقديرُ النقلِ فيه البتَّةَ. وذلك مثلُ قول لبيد [من الكامل]:

وغداةٍ ريحٍ قد كَشَفْتُ وقِرَّةٍ ... إذْ أصبَحَتْ بِيَدِ الشَّمالِ زِمامُها

<<  <   >  >>