في آدم عليه السلام: فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: ١١٥] وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فوزنه حينئذ «فلع» ولا يستعمل في الغالب إلا في بني آدم، وحكى ابن خالويه عن ناس من العرب: أناس الجن، قال أبو حيان: وهو مجاز وإذا أخذ من نوس يكون صدق المفهوم على الجن ظاهرا لا سيما إذا قلنا: إن النوس تذبذب الشيء في الهواء، وعن سلمة بن عاصم أنه جزم بأن كلا من ناس وأناس مادة مستقلة واللام فيه إما للجنس أو للعهد الخارجي فإن كان الأول فمن نكرة موصوفة وإن كان الثاني فهي موصولة مرادا بها عبد الله بن أبيّ وأشياعه، وجوز ابن هشام وجماعة أن تكون موصولة على تقدير الجنس وموصوفة على تقدير العهد لأن بعض الجنس قد يتعين بوجه ما وبعض المعينين قد يجهل باعتبار حال من أحواله كأهل محلة محصورين فيهم قاتل لم يعرف بعينه كونه قاتلا وإن عرف شخصه فلا وجه للتخصيص عند هؤلاء، وقيل: إن التخصيص هو الأنسب لأن المعرف بلام الجنس لعدم التوقيت فيه قريب من النكرة وبعض النكرة نكرة فناسب من الموصوفة للطباق والأمر بخلافه في العهد، وعلى هذا الأسلوب ورد قوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ [الأحزاب: ٢٣] وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ [التوبة: ٦١] لأنه أريد في الأول الجنس، وفي مرجع الضمير في الثاني طائفة معينة من المنافقين، ولما كان في الآية تفصيل معنوي لأنه سبحانه ذكر المؤمنين ثم الكافرين ثم عقب بالمنافقين فصار نظيرا للتفصيل اللفظي، وفي قوة تفصيل الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق- تضمن الإخبار عمن يقول بأنه من الناس- فائدة، ولك أن تحمله على معنى من يختفي من المنافقين معلوم لنا ولولا أن الستر من الكرم فضحته فيكون مفيدا أيضا وملوحا إلى تهديد ما، وقيل: المراد بكونهم من الناس أنهم لا صفة لهم تميزهم سوى الصورة الإنسانية، أو المراد التنبيه على أن الصفات المذكورة تنافي الإنسانية فيتعجب منها- أو مناط الفائدة- الوجود أي إنهم موجودون فيما بينهم أو إنهم من الناس لا من الجن إذ لا نفاق فيهم، أو المراد بالناس المسلمون والمعنى أنهم يعدون مسلمين أو يعاملون معاملتهم فيما لهم وعليهم، ولا يخفى ما في بعض هذه الوجوه من الكلف والتكلف ولكل ساقطة لاقطة، واختار أبو حيان هنا أن تكون مِنَ موصلة مدعيا أنها إنما تكون موصوفة إذا وقعت في مكان يختص بالنكرة في الأكثر، وفي غير ذلك قليل حتى أن السكاكي على علو كعبه أنكره ولا يخفى ما فيه، ولا يرد على إرادة العهد أنه كيف يدخل المنافقون مطلقا في الكفرة المصرين المحكوم عليهم بالختم وإن وَمِنَ النَّاسِ الآية وقع عديلا لأن الذين كفروا بيانا للقسم الثالث المذبذب فلا يدخل فيه لأن المراد بالمنافقين المصممون منهم المختوم عليهم بالكفر كما يدل عليه صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة: ١٨] لا مطلق المنافقين ولأن اختصاصهم بخلط الخداع والاستهزاء مع الكفر لا ينافي دخولهم تحت الكفرة المصرين، وبهذا الاعتبار صاروا قسما ثالثا فالقسمة ثنائية بحسب الحقيقة ثلاثية بالاعتبار، وفي قوله تعالى يقول وآمنا مراعاة للفظ مِنَ ومعناها ولو راعى الأول فقط لقال آمنت أو الثاني فقط لقال يقولون ولما روعيا جميعا حسن مراعاة اللفظ أولا إذ هو في الخارج قبل المعنى والواحد قبل الجمع ولو عكس جاز، وزعم ابن عطية أنه لا يجوز الرجوع من جمع إلى توحيد ويرده قول الشاعر:
لست ممن يكع أو يستكينو ... ن إذا كافحته خيل الأعادي
واقتصر من متعلق الإيمان على الله واليوم الآخر مع أنهم كانوا يؤمنون بأفواههم بجميع ما جاء به النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأنهما المقصود الأعظم من الإيمان إذ من آمن بالله تعالى- على ما يليق بجلال ذاته- آمن بكتبه ورسله وشرائعه، ومن علم أنه إليه المصير استعد لذلك بالأعمال الصالحة، وفي ذلك إشعار بدعوى حيازة الإيمان بطرفيه المبدأ والمعاد وما طريقه العقل والسمع ويتضمن ذلك الإيمان بالنبوة أو أن تخصيص ذلك بالذكر للإيذان بأنهم